الرسم العثمانيوَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُۥ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ
الـرسـم الإمـلائـيوَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَيۡهِمۡ اِبۡلِيۡسُ ظَنَّهٗ فَاتَّبَعُوۡهُ اِلَّا فَرِيۡقًا مِّنَ الۡمُؤۡمِنِيۡنَ
تفسير ميسر:
ولقد ظن إبليس ظنًا غير يقين أنه سيضل بني آدم، وأنهم سيطيعونه في معصية الله، فصدَّق ظنه عليهم، فأطاعوه وعصوا ربهم إلا فريقًا من المؤمنين بالله، فإنهم ثبتوا على طاعة الله.
يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ " لما ذكر تعالى قصة سبأ وما كان من أمرهم في اتباعهم الهوى والشيطان أخبر عنهم وعن أمثالهم ممن اتبع إبليس والهوى وخالف الرشاد والهدى فقال " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره هذه الآية كقوله تعالى; إخبارا عن إبليس حين امتنع من السجود لآدم عليه الصلاة والسلام ثم قال " أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا " وقال " ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين " والآيات في هذا كثيرة وقال الحسن البصري لما أهبط الله آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة ومعه حواء هبط إبليس فرحا بما أصاب منهما وقال إذا أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف وكان ذلك ظنا من إبليس فأنزل الله عز وجل; " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين " فقال عند ذلك إبليس لا أفارق ابن آدم ما دام فيه الروح أعده وأمنيه وأخدعه فقال الله تعالى وعزتي وجلالي لا أحجب عنه التوبة ما لم يغرغر بالموت ولا يدعوني إلا أجبته ولا يسألني إلا أعطيته ولا يستغفرني إلا غفرت له رواه ابن أبى حاتم.وقوله تبارك وتعالى; " وما كان له عليهم من سلطان " قال ابن عباس رضي الله عنهما أي من حجة وقال الحسن البصري والله ما ضربهم بعصا ولا أكرههم على شيء وما كان إلا غرورا وأماني دعاهم إليها فأجابوه.وقوله عز وجل " إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك " أي إنما سلطناه عليهم ليظهر أمر من هو مؤمن بالآخرة وقيامها والحساب فيها والجزاء فيحسن عبادة ربه عز وجل في الدنيا بمن هو منها في شك. وقوله تعالى " وربك على كل شيء حفيظ " أي ومع حفظه ضل من ضل من اتباع إبليس وبحفظه وكلاءته سلم من سلم من المؤمنين أتباع الرسل.
قوله تعالى ; ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين .قوله تعالى ; ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فيه أربع قراءات ; قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر ويروى عن مجاهد ، ( ولقد صدق عليهم ) بالتخفيف [ ص; 263 ] ( إبليس ) بالرفع ( ظنه ) بالنصب ; أي في ظنه . قال الزجاج ; وهو على المصدر أي ; صدق عليهم ظنا ظنه إذ صدق في ظنه ; فنصب على المصدر أو على الظرف . وقال أبو علي ; ظنه نصب لأنه مفعول به ; أي صدق الظن الذي ظنه إذ قال ; لأقعدن لهم صراطك المستقيم وقال ; لأغوينهم أجمعين ; ويجوز تعدية الصدق إلى المفعول به ، ويقال ; صدق الحديث ، أي في الحديث . وقرأ ابن عباس ويحيى بن وثاب والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي ; صدق بالتشديد ظنه بالنصب بوقوع الفعل عليه . قال مجاهد ; ظن ظنا فكان كما ظن فصدق ظنه . وقرأ جعفر بن محمد وأبو الهجاج ( صدق عليهم ) بالتخفيف ( إبليس ) بالنصب ( ظنه ) بالرفع . قال أبو حاتم ; لا وجه لهذه القراءة عندي ، والله تعالى أعلم . وقد أجاز هذه القراءة الفراء وذكرها الزجاج وجعل الظن فاعل ( صدق ) ( إبليس ) مفعول به ; والمعنى ; أن إبليس سول له ظنه فيهم شيئا فصدق ظنه ، فكأنه قال ; ولقد صدق عليهم ظن إبليس . و ( على ) متعلقة ب ( صدق ) ، كما تقول ; صدقت عليك فيما ظننته بك ، ولا تتعلق بالظن لاستحالة تقدم شيء من الصلة على الموصول . والقراءة الرابعة ; ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ) برفع إبليس والظن ، مع التخفيف في ( صدق ) على أن يكون ( ظنه ) بدلا من ( إبليس ) وهو بدل الاشتمال .ثم قيل ; هذا في أهل سبأ ، أي كفروا وغيروا وبدلوا بعد أن كانوا مسلمين إلا قوما منهم آمنوا برسلهم . وقيل ; هذا عام ، أي صدق إبليس ظنه على الناس كلهم إلا من أطاع الله تعالى ; قاله مجاهد . وقال الحسن ; لما أهبط آدم عليه السلام من الجنة ومعه حواء وهبط إبليس قال إبليس ; أما إذ أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف ! فكان ذلك ظنا من إبليس ، فأنزل الله تعالى ; ولقد صدق عليهم إبليس ظنه . وقال ابن عباس ; إن إبليس قال ; خلقت من نار وخلق آدم من طين والنار تحرق كل شيء لأحتنكن ذريته إلا قليلا فصدق ظنه عليهم . وقال زيد بن أسلم ; إن إبليس قال يا رب أرأيت هؤلاء الذين كرمتهم وشرفتهم وفضلتهم علي لا تجد أكثرهم شاكرين ، ظنا منه فصدق عليهم إبليس ظنه . وقال الكلبي ; إنه ظن أنه إن أغواهم أجابوه وإن أضلهم أطاعوه ، فصدق ظنه . فاتبعوه قال الحسن ; ما ضربهم بسوء ولا بعصا وإنما ظن ظنا فكان كما ظن بوسوسته . إلا فريقا من المؤمنين نصب على الاستثناء ، وفيه قولان ; أحدهما أنه يراد به بعض المؤمنين ؛ لأن كثيرا من المؤمنين من يذنب وينقاد لإبليس في بعض المعاصي ، أي ما سلم من المؤمنين أيضا إلا فريق وهو المعني بقوله تعالى ; إن عبادي ليس لك عليهم سلطان . [ ص; 264 ] فأما ابن عباس فعنه أنه قال ; هم المؤمنون كلهم ، ف ( من ) على هذا للتبيين لا للتبعيض ، فإن قيل ; كيف علم إبليس صدق ظنه وهو لا يعلم الغيب ؟ قيل له ; لما نفذ له في آدم ما نفذ غلب على ظنه أنه ينفذ له مثل ذلك في ذريته ، وقد وقع له تحقيق ما ظن . وجواب آخر وهو ما أجيب من قوله تعالى واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك فأعطي القوة والاستطاعة ، فظن أنه يملكهم كلهم بذلك ، فلما رأى أنه تاب على آدم وأنه سيكون له نسل . يتبعونه إلى الجنة وقال ; إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين علم أن له تبعا ولآدم تبعا ; فظن أن تبعه أكثر من تبع آدم ، لما وضع في يديه من سلطان الشهوات ، ووضعت الشهوات في أجواف الآدميين ، فخرج على ما ظن حيث نفخ فيهم وزين في أعينهم تلك الشهوات ، ومدهم إليها بالأماني والخدائع ، فصدق عليهم الذي ظنه ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)اختلفت القراء في قراءة قوله ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ) فقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين (وَلَقَدْ صَدَّقَ) بتشديد الدال من صدق، بمعنى أنه قال ظنا منه وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ وقال فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ثم صدق ظنه ذلك فيهم فحقق ذلك بهم، وباتباعهم إياه. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والشأم والبصرة (وَلَقَدْ صَدَقَ) بتخفيف الدال بمعنى; ولقد صدق عليهم ظنه.والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، وذلك أن إبليس قد صدق على كفرة بني آدم في ظنه، وصدق عليهم ظنه الذي ظن حين قال; ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ وحين قال وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ ... الآية، قال ذلك عدو الله ظنًا منه أنه يفعل ذلك لا علمًا، فصار ذلك حقًّا باتباعهم إياه. فبأي القراءتين قرأ القارىء فمصيب. فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الكلام على قراءة من قرأ بتشديد الدال; ولقد ظن إبليس بهؤلاء الذين بدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط عقوبة منَّا لهم، ظنًّا غير يقين، علم أنهم يتبعونه ويطيعونه في معصية الله فصدق ظنه عليهم بإغوائه إياهم حتى أطاعوه وعصوا ربهم إلا فريقًا من المؤمنين بالله فإنهم ثبتوا على طاعة الله ومعصية إبليس.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني أحمد بن يوسف قال; ثنا القاسم قال; ثنا حجاج عن هارون قالَ; أخبرني عمرو بن مالك عن أَبي الجوزاء عن ابن عباس أنه قرأ ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ) مشددة، وقال; ظن ظنًّا فصدَّق ظنه.حدثنا ابن بشار قال; ثنا يحيى عن سفيان عن منصور عن مجاهد ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ) قال; ظن ظنًّا فاتبعوا ظنه.قال; ثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ) قال الله; ما كان إلا ظنًّا ظنه، والله لا يصدق كاذبًا ولا يكذب صادقًا.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ) قال; أرأيت هؤلاء الذين كَرَّمتهم عليَّ وفضلتهم وشرفتهم لا تجد أكثرهم شاكرين، وكان ذلك ظنًّا منه بغير علم، فقال الله ( فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) .
ثم ذكر أن قوم سبأ من الذين صدَّق عليهم إبليس ظنه, حيث قال لربه: { فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } وهذا ظن من إبليس, لا يقين, لأنه لا يعلم الغيب, ولم يأته خبر من اللّه, أنه سيغويهم أجمعين, إلا من استثنى، فهؤلاء وأمثالهم, ممن صدق عليه إبليس ظنه, ودعاهم وأغواهم، { فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } ممن لم يكفر بنعمة اللّه, فإنه لم يدخل تحت ظن إبليس.ويحتمل أن قصة سبأ, انتهت عند قوله: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } ثم ابتدأ فقال: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ } أي: على جنس الناس, فتكون الآية عامة في كل من اتبعه.
(الواو) استئنافيّة
(عليهم) متعلّق بـ (صدّق) ،
(الفاء) عاطفة
(إلّا) للاستثناء
(فريقا) مستثنى منصوبـ (من المؤمنين) متعلّق بنعت لـ (فريقا) .
جملة: «صدّق عليهم إبليس....» لا محلّ لها جواب القسم المقدّر ... وجملة القسم المقدّرة لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «اتّبعوه ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة صدّق.
(21)
(الواو) حاليّة- أو عاطفة-
(له) متعلّق بخبر كان
(عليهم) متعلّق بحال من سلطان
(سلطان) اسم كان مجرور لفظا مرفوع محلّا
(إلّا) للحصر
(لام) للتعليلـ (نعلم) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام
(بالآخرة) متعلّق بـ (يؤمن) .
والمصدر المؤوّلـ (أن نعلم) في محلّ جرّ باللام متعلّق بسلطان.
(ممّن) متعلّق بـ (نعلم) بتضمينه معنى نميّز
(منها) متعلّق بحال من شك
(في شك) متعلّق بخبر المبتدأ هو،
(الواو) استئنافيّة
(على كلّ) متعلّق بالخبر حفيظ.وجملة: «ما كان ... » في محلّ نصب حال من الضمير الفاعل في(اتبعوه) أو من إبليس .
وجملة: «نعلم ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) الضمر.
وجملة: «يؤمن ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) الأول.
وجملة: «هو منها في شك ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) الثاني.
وجملة: «ربّك ... حفيظ» لا محلّ لها استئنافيّة.
- القرآن الكريم - سبإ٣٤ :٢٠
Saba'34:20