الرسم العثمانييَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضٰى مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا
الـرسـم الإمـلائـييَّسۡتَخۡفُوۡنَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُوۡنَ مِنَ اللّٰهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ اِذۡ يُبَيِّتُوۡنَ مَا لَا يَرۡضٰى مِنَ الۡقَوۡلِؕ وَكَانَ اللّٰهُ بِمَا يَعۡمَلُوۡنَ مُحِيۡطًا
تفسير ميسر:
يستترون من الناس خوفًا من اطلاعهم على أعمالهم السيئة، ولا يستترون من الله تعالى ولا يستحيون منه، وهو عزَّ شأنه معهم بعلمه، مطلع عليهم حين يدبِّرون -ليلا- ما لا يرضى من القول، وكان الله -تعالى- محيطًا بجميع أقوالهم وأفعالهم، لا يخفى عليه منها شيء.
وقوله تعالى "يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله" الآية هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناس لئلا ينكروا عليهم ويجاهرون الله بها لأنه مطلع على سرائرهم وعالم بما في ضمائرهم ولهذا قال "وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا" تهديد لهم ووعيد.
قوله تعالى ; يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاقال الضحاك ; لما سرق الدرع اتخذ حفرة في بيته وجعل الدرع تحت التراب ؛ فنزلت يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله يقول ; لا يخفى مكان الدرع على الله وقيل ; يستخفون من الناس أي يستترون ، كما قال تعالى ; ومن هو مستخف بالليل أي مستتر . وقيل ; يستحيون من الناس ، وهذا لأن الاستحياء سبب الاستتار . ومعنى وهو معهم أي بالعلم والرؤية والسمع ، هذا قول أهل السنة . وقالت الجهمية والقدرية والمعتزلة ; هو بكل مكان ، تمسكا بهذه الآية وما كان مثلها ، قالوا ; لما قال وهو معهم ثبت أنه بكل مكان ، لأنه قد أثبت كونه معهم تعالى الله عن قولهم ، فإن هذه صفة الأجسام والله تعالى متعال عن ذلك ألا ترى مناظرة بشر في قول الله عز وجل ; ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم حين قال ; هو بذاته في كل مكان فقال له [ ص; 324 ] خصمه ; هو في قلنسوتك وفي حشوك وفي جوف حمارك . تعالى الله عما يقولون ! حكى ذلك وكيع رضي الله عنه . ومعنى يبيتون يقولون . قاله الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس . ما لا يرضى أي ما لا يرضاه الله لأهل طاعته . من القول أي من الرأي والاعتقاد ، كقولك ; مذهب مالك والشافعي . وقيل ; القول بمعنى المقول ؛ لأن نفس القول لا يبيت .
القول في تأويل قوله ; هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا (109)قال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بقوله; " ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا "، ها أنتم الذين جادلتم، (53) يا معشر من جادل عن بني أبيرق=" في الحياة الدنيا "= و " الهاء " و " الميم " في قوله; " عنهم " من ذكر الخائنين.=" فمن يجادل الله عنهم "، يقول; فمن ذا يخاصم الله عنهم=" يوم القيامة "، أي; يوم يقوم الناس من قبورهم لمحشرهم، (54) فيدافع عنهم ما الله فاعل بهم ومعاقبهم به. وإنما يعني بذلك; إنكم أيها المدافعون عن هؤلاء الخائنين أنفسهم، وإن دافعتم عنهم في عاجل الدنيا، فإنهم سيصيرون في آجل الآخرة إلى من لا يدافع عنهم عنده أحد فيما يحلُّ بهم من أليم العذاب ونَكال العقاب.= وأما قوله; " أم من يكون عليهم وكيلا "، فإنه يعني; ومن ذا الذي يكون على هؤلاء الخائنين وكيلا يوم القيامة= أي; ومن يتوكل لهم في خصومة ربهم عنهم يوم القيامة.* * *وقد بينا معنى; " الوكالة "، فيما مضى، وأنها القيام بأمر من توكل له. (55)-------------------الهوامش ;(53) انظر ما قاله; في"ها أنتم أولاء" و"ها أنتم هؤلاء" فيما سلف 7 ; 150 ، 151.(54) انظر تفسير"يوم القيامة" فيما سلف 2 ; 518 / 8 ; 592.(55) انظر تفسير"الوكيل" فيما سلف 7 ; 405 / 8 ; 566.
ثم ذكر عن هؤلاء الخائنين أنهم { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ } وهذا من ضعف الإيمان، ونقصان اليقين، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم. وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم، خصوصًا في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول، من تبرئة الجاني، ورمي البريء بالجناية، والسعي في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم ليفعل ما بيتوه. فقد جمعوا بين عدة جنايات، ولم يراقبوا رب الأرض والسماوات، المطلع على سرائرهم وضمائرهم، ولهذا توعدهم تعالى بقوله: { وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } أي: قد أحاط بذلك علما، ومع هذا لم يعاجلهم بالعقوبة بل استأنى بهم، وعرض عليهم التوبة وحذرهم من الإصرار على ذنبهم الموجب للعقوبة البليغة.
(يستخفون) مضارع مرفوع ... والواو فاعلـ (من الناس) جار ومجرور متعلق بـ (يستخفون) ،
(الواو) عاطفة
(لا) نافية
(يستخفون من الله) مثل يستخفون من الناس
(الواو) حالية
(هو) ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ
(مع) ظرف مكان منصوب متعلق بخبر المبتدأ و (هم) ضمير مضاف إليه
(إذ) ظرف للزمن الماضي مبني فيمحل نصب متعلق بالخبر المحذوف
(يبيتون) مثل يستخفون
(ما) اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به
(لا) نافية
(يرضى) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدرة على الألف، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (من القول) جار ومجرور متعلق بحال من مفعول يرضى المحذوف.
(الواو) استئنافية
(كان) ماض ناقص
(الله) لفظ الجلالة اسم كان مرفوع
(الباء) حرف جر
(ما) حرف مصدري ،
(يعملون) مثل يستخفون،
(محيطا) خبر كان منصوب.
والمصدر المؤولـ (ما يعملون) في محل جر بالباء متعلق بـ (محيطا) .
وجملة «يستخفون ... » لا محل لها استئنافية.
وجملة «لا يستخفون ... » لا محل لها معطوفة على الاستئنافية.
وجملة «هو معهم» في محل نصب حال.
وجملة «يبيّتون» في محل جر مضاف إليه.
وجملة «لا يرضى ... » لا محل لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة «كان الله ... محيطا» لا محل لها استئنافية.
وجملة «يعملون» لا محل لها صلة الموصول الحرفي(ما) .
- القرآن الكريم - النساء٤ :١٠٨
An-Nisa'4:108