الرسم العثمانيالَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوٓا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكٰفِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوٓا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيٰمَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكٰفِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا
الـرسـم الإمـلائـيالَّذِيۡنَ يَتَرَ بَّصُوۡنَ بِكُمۡ ۚ فَاِنۡ كَانَ لَـكُمۡ فَتۡحٌ مِّنَ اللّٰهِ قَالُـوۡۤا اَلَمۡ نَـكُنۡ مَّعَكُمۡ ۖ وَاِنۡ كَانَ لِلۡكٰفِرِيۡنَ نَصِيۡبٌۙ قَالُـوۡۤا اَلَمۡ نَسۡتَحۡوِذۡ عَلَيۡكُمۡ وَنَمۡنَعۡكُمۡ مِّنَ الۡمُؤۡمِنِيۡنَ ؕ فَاللّٰهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ يَوۡمَ الۡقِيٰمَةِ ؕ وَلَنۡ يَّجۡعَلَ اللّٰهُ لِلۡكٰفِرِيۡنَ عَلَى الۡمُؤۡمِنِيۡنَ سَبِيۡلًا
تفسير ميسر:
المنافقون هم الذين ينتظرون ما يحلُّ بكم -أيها المؤمنون- من الفتن والحرب، فإن منَّ الله عليكم بفضله، ونصركم على عدوكم وغنمتم، قالوا لكم; ألم نكن معكم نؤازركم؟ وإن كان للجاحدين لهذا الدين قَدْرٌ من النصر والغنيمة، قالوا لهم; ألم نساعدكم بما قدَّمناه لكم ونَحْمِكُم من المؤمنين؟ فالله تعالى يقضي بينكم وبينهم يوم القيامة، ولن يجعل الله للكافرين طريقًا للغلبة على عباده الصالحين، فالعاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة.
يخبر تعالى عن المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء بمعنى ينتظرون زوال دولتهم وظهور الكفرة عليهم وذهاب ملتهم "فإن كان لكم فتح من الله" أي نصر وتأييد وظفر وغنيمة "قالوا ألم نكن معكم" أي يتوددون إلى المؤمنين بهذه المقالة "وإن كان للكافرين نصيب أي إدالة على المؤمنين" في بعض الأحيان كما وقع يوم أحد فإن الرسل تبتلى ثم يكون لها العافية قالوا "ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين" أي ساعدناكم في الباطن وما ألوناهم خبالا وتخذيلا حتى انتصرتم عليهم وقال السدي; نستحوذ عليكم نغلب عليكم كقوله استحوذ عليهم الشيطان وهذا أيضا تودد منهم إليهم فإنهم كانوا يصانعون هؤلاء وهؤلاء ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم وما ذاك إلا لضعف إيمانهم وقلة إيقانهم. قال تعالى "فالله يحكم بينكم يوم القيامة" أي بما يعلمه منكم أيها المنافقون من البواطن الرديئة فلا تغتروا بجريان الأحكام الشرعية عليكم ظاهرا في الحياة الدنيا لما له في ذلك من الحكمة فيوم القيامة لا تنفعكم ظواهركم بل هو يوم تبلى فيه السرائر ويحصل ما في الصدور وقوله "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا" قال عبدالرزاق; أنبأنا الثوري عن الأعمش عن ذر عن سبيع الكندي قال; جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال كيف هذه الآية "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا" فقال علي رضي الله عنه أدنه أدنه فالله يحكم بينكم يوم القيامة "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا". وكذا روى ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا قال ذاك يوم القيامة. وكذا روى السدي عن أبي مالك الأشجعي يعني يوم القيامة. وقال السدي; سبيلا أي حجة ويحتمل أن يكون المعنى "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا" أي في الدنيا بأن يسلطوا عليهم استيلاء استئصال بالكلية وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس فإن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة كما قال تعالى إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا الآية وعلى هذا فيكون ردا على المنافقين فيما أملوه ورجوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين خوفا على أنفسهم منهم إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم كما قال تعالى "فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم -إلى قوله - نادمين" وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية الكريمة على أصح قولي العلماء وهو المنع من بيع العبد المسلم للكافر لما في صحة ابتياعه من التسليط له عليه والإذلال ومن قال منهم بالصحة يأمره بإزالة ملكه عنه في الحال لقوله تعالى "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا".
الذين يتربصون بكم يعني المنافقين ، أي ينتظرون بكم الدوائر . [ ص; 358 ] فإن كان لكم فتح من الله أي غلبة على اليهود وغنيمة . قالوا ألم نكن معكم أي أعطونا من الغنيمة . وإن كان للكافرين نصيب أي ظفر . قالوا ألم نستحوذ عليكم أي ألم نغلب عليكم حتى هابكم المسلمون وخذلناهم عنكم . يقال ; استحوذ على كذا أي غلب عليه ؛ ومنه قوله تعالى ; استحوذ عليهم الشيطان . وقيل ; أصل الاستحواذ الحوط ؛ حاذه يحوذه حوذا إذا حاطه . وهذا الفعل جاء على الأصل ، ولو أعل لكان ألم نستحذ ، والفعل على الإعلال استحاذ يستحيذ ، وعلى غير الإعلال استحوذ يستحوذ . ونمنعكم من المؤمنين أي بتخذيلنا إياهم عنكم ، وتفريقنا إياهم مما يريدونه منكم . والآية تدل على أن المنافقين كانوا يخرجون في الغزوات مع المسلمين ولهذا قالوا ; ألم نكن معكم ؟ وتدل على أنهم كانوا لا يعطونهم الغنيمة ولهذا طلبوها وقالوا ; ألم نكن معكم ! ويحتمل أن يريدوا بقولهم ألم نكن معكم الامتنان على المسلمين . أي كنا نعلمكم بأخبارهم وكنا أنصارا لكم .قوله تعالى ; ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلافيه ثلاث مسائل ;الأولى ; قوله تعالى ; ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا للعلماء فيه تأويلات خمس ;أحدها ; ما روي عن يسيع الحضرمي قال ; كنت عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له رجل يا أمير المؤمنين ، أرأيت قول الله ; ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا كيف ذلك ، وهم يقاتلوننا ويظهرون علينا أحيانا ! فقال علي رضي الله عنه ; معنى ذلك يوم القيامة يوم الحكم . وكذا قال ابن عباس ; ذاك يوم القيامة . قال ابن عطية ; وبهذا قال جميع أهل التأويل . قال ابن العربي ; وهذا ضعيف ; لعدم فائدة الخبر فيه ، وإن أوهم صدر الكلام معناه ؛ لقوله تعالى ; فالله يحكم بينكم يوم القيامة فأخر الحكم إلى يوم القيامة . وجعل الأمر في الدنيا دولا تغلب الكفار تارة وتغلب أخرى ؛ بما رأى من الحكمة وسبق من الكلمة . ثم قال ; ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا فتوهم من توهم أن آخر الكلام يرجع إلى أوله ، وذلك يسقط فائدته ، إذ يكون تكرارا .الثاني ; إن الله لا يجعل لهم سبيلا يمحو به دولة المؤمنين ، ويذهب آثارهم ويستبيح بيضتهم ؛ كما جاء في صحيح مسلم من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ; وإني سألت ربي ألا يهلكها بسنة عامة وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني قد أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم [ ص; 359 ] فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا .الثالث ; إن الله سبحانه لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا منه إلا أن يتواصوا بالباطل ولا يتناهوا عن المنكر ويتقاعدوا عن التوبة فيكون تسليط العدو من قبلهم ؛ كما قال تعالى ; وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم . قال ابن العربي ; وهذا نفيس جدا .قلت ; ويدل عليه قوله عليه السلام في حديث ثوبان حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا وذلك أن " حتى " غاية ؛ فيقتضي ظاهر الكلام أنه لا يسلط عليهم عدوهم فيستبيحهم إلا إذا كان منهم إهلاك بعضهم لبعض ، وسبي بعضهم لبعض ، وقد وجد ذلك في هذه الأزمان بالفتن الواقعة بين المسلمين ؛ فغلظت شوكة الكافرين واستولوا على بلاد المسلمين حتى لم يبق من الإسلام إلا أقله ؛ فنسأل الله أن يتداركنا بعفوه ونصره ولطفه .الرابع ; إن الله سبحانه لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا شرعا ؛ فإن وجد فبخلاف الشرع .الخامس ; ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا أي حجة عقلية ولا شرعية يستظهرون بها إلا أبطلها ودحضت .الثانية ; ابن العربي ; ونزع علماؤنا بهذه الآية في الاحتجاج على أن الكافر لا يملك العبد المسلم . وبه قال أشهب والشافعي ; لأن الله سبحانه نفى السبيل للكافر عليه ، والملك بالشراء سبيل ، فلا يشرع له ولا ينعقد العقد بذلك . وقال ابن القاسم عن مالك ، وهو قول أبي حنيفة ; إن معنى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا في دوام الملك ؛ لأنا نجد الابتداء يكون له عليه وذلك بالإرث . وصورته أن يسلم عبد كافر في يد كافر فيلزم القضاء عليه ببيعه ، فقبل الحكم عليه ببيعه مات ، فيرث العبد المسلم وارث الكافر . فهذه سبيل قد ثبت قهرا لا قصد فيه ، وإن ملك الشراء ثبت بقصد النية ، فقد أراد الكافر تملكه باختياره ، فإن حكم بعقد بيعه وثبوت ملكه فقد حقق فيه قصده ، وجعل له سبيل عليه . قال أبو عمر ; وقد أجمع المسلمون على أن عتق النصراني أو اليهودي لعبده المسلم صحيح نافذ عليه . وأجمعوا أنه إذا أسلم عبد الكافر فبيع عليه أن ثمنه يدفع إليه . فدل على أنه على ملكه بيع وعلى ملكه ثبت العتق له ، إلا أنه ملك غير مستقر لوجوب بيعه عليه ؛ وذلك والله أعلم لقول الله عز وجل ; [ ص; 360 ] ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا يريد الاسترقاق والملك والعبودية ملكا مستقرا دائما .واختلف العلماء في شراء العبد الكافر العبد المسلم على قولين ; أحدهما ; البيع مفسوخ . والثاني ; البيع صحيح ويباع على المشتري .الثالثة ; واختلف العلماء أيضا من هذا الباب في رجل نصراني دبر عبدا له نصرانيا فأسلم العبد ؛ فقال مالك والشافعي في أحد قوليه ; يحال بينه وبين العبد ، ويخارج على سيده النصراني ، ولا يباع عليه حتى يتبين أمره . فإن هلك النصراني وعليه دين قضي دينه من ثمن العبد المدبر ، إلا أن يكون في ماله ما يحمل المدبر فيعتق المدبر . وقال الشافعي في القول الآخر ; إنه يباع عليه ساعة أسلم ؛ واختاره المزني ؛ لأن المدبر وصية ولا يجوز ترك مسلم في ملك مشرك يذله ويخارجه ، وقد صار بالإسلام عدوا له . وقال الليث بن سعد ; يباع النصراني من مسلم فيعتقه ، ويكون ولاؤه للذي اشتراه وأعتقه ، ويدفع إلى النصراني ثمنه . وقالسفيان والكوفيون ; إذا أسلم مدبر النصراني قوم قيمته فيسعى في قيمته ، فإن مات النصراني قبل أن يفرغ المدبر من سعايته عتق العبد وبطلت السعاية .
القول في تأويل قوله ; الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا (141)قال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بقوله; " الذين يتربصون بكم "، الذين ينتظرون، أيها المؤمنون، (1) بكم=" فإن كان لكم فتح من الله "، يعني; فإن فتح الله &; 9-324 &; عليكم فتحًا من عدوكم، فأفاء عليكم فَيْئًا من المغانم=" قالوا " لكم=" ألم نكن معكمْ"، نجاهد عدوّكم ونغزوهم معكم، فأعطونا نصيبًا من الغنيمة، فإنا قد شهدنا القتال معكم=" وإن كان للكافرين نصيب "، يعني; وإن كان لأعدائكم من الكافرين حظّ منكم، بإصابتهم منكم (2) =" قالوا "، (3) يعني; قال هؤلاء المنافقون للكافرين=" ألم نستحوذ عليكم "، ألم نغلب عليكم حتى قهرتم المؤمنين=" ونمنعكم " منهم، بتخذيلنا إياهم، حتى امتنعوا منكم فانصرفوا=" فالله يحكم بينكم يوم القيامة "، يعني; فالله يحكم بين المؤمنين والمنافقين يوم القيامة، فيفصل بينكم بالقضاء الفاصل، (4) بإدخال أهل الإيمان جنّته، وأهل النفاق مع أوليائهم من الكفار ناره=" ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، يعني; حجة يوم القيامة. (5)وذلك وعدٌ من الله المؤمنين أنه لن يدخل المنافقين مدخلَهم من الجنة، ولا المؤمنين مدخَل المنافقين، فيكون بذلك للكافرين على المؤمنين حجة بأن يقولوا لهم، إن أدخلوا مدخلهم; ها أنتم كنتم في الدنيا أعداءَنا، وكان المنافقون أولياءنا، وقد اجتمعتم في النار، فجمع بينكم وبين أوليائنا! فأين الذين كنتم تزعمون أنكم تقاتلوننا من أجله في الدنيا؟ فذلك هو " السبيل " الذي وعد الله المؤمنين أن لا يجعلها عليهم للكافرين.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;10711- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله; " فإن كان لكم فتح من الله ". قال; المنافقون يتربَّصون بالمسلمين=" فإن كان لكم فتح "، قال; إن أصاب المسلمون من عدوهم غنيمة &; 9-325 &; قال المنافقون; " ألم نكن معكم "، قد كنا معكم فأعطونا غنيمة مثل ما تأخذون=" وإن كان للكافرين نصيب "، يصيبونه من المسلمين، قال المنافقون للكافرين; " ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين "، قد كنا نثبِّطهم عنكم.* * *واختلف أهل التأويل في تأويل قوله; " ألم نستحوذ عليكم ".فقال بعضهم; معناه; ألم نغلب عليكم.*ذكر من قال ذلك;10712- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله; " ألم نستحوذ عليكم "، قال; نغلب عليكم.* * *وقال آخرون; معنى ذلك; ألم نبيِّن لكم أنّا معكم على ما أنتم عليه.*ذكر من قال ذلك;10713- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج; " ألم نستحوذ عليكم "، ألم نبين لكم أنّا معكم على ما أنتم عليه.* * *قال أبو جعفر; وهذان القولان متقاربا المعنى. وذلك أن من تأوله بمعنى; " ألم نبين لكم "، إنما أراد - إن شاء الله-; ألم نغلب عليكم بما كان منا من البيان لكم أنا معكم.* * *وأصل " الاستحواذ " في كلام العرب، فيما بلغنا، الغلبة، ومنه قول الله جل ثناؤه; اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ، [سورة المجادلة; 19] ، بمعنى; غلب عليهم. يقال منه; " حاذ عليه واستحاذ، يحيذ ويستحيذ، وأحاذ (6) يحيذ ". ومن لغة من قال; " حاذ "، قول العجاج في صفة ثور وكلب;يَحُوذُهُنَّ وَلَهُ حُوذِيّ (7)وقد أنشد بعضهم;يَحُوزُهُنَّ وَلَهُ حُوزِيُّ (8)وهما متقاربا المعنى. ومن لغة من قال " أحاذ "، قول لبيد في صفة عَيْرٍ وأتُنٍ; (9)إذَا اجْـــتَمَعَتْ وَأَحْــوَذَ جَانِبَيْهَــاوَأَوْرَدَهــا عَــلَى عُــوجٍ طِـوَالِ (10)يعني بقوله; " وأحوذ جانبيها "، غلبها وقهرَها حتى حاذ كلا جانبيها، فلم يشذّ منها شيء.وكان القياس في قوله; اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ أن يأتي; " استحاذ عليهم "، لأن " الواو " إذا كانت عين الفعل وكانت متحركة بالفتح وما قبلها ساكن، جعلت العرب حركتها في" فاء " الفعل قبلها، وحوَّلوها " ألفًا "، متبعة حركة ما قبلها، كقولهم; " استحال هذا الشيء عما كان عليه "، من " حال يحول "= و " استنار فلان بنور الله "، من " النور "= و " استعاذ بالله " من " عاذ يعوذ ". وربما تركوا ذلك على أصله كما قال لبيد; " وأحوذ "، ولم يقل " وأحاذ "، وبهذه اللغة جاء القرآن في قوله; اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ .* * *وأما قوله; " فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، فلا خلاف بينهم في أن معناه; ولن يجعل الله للكافرين يومئذ على المؤمنين سبيلا.ذكر الخبر عمن قال ذلك;10714- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن ذَرّ، عن يُسَيْع الحضرمي قال; كنت عند علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال رجل; يا أمير المؤمنين، أرأيت قول الله; " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، وهم يقاتلوننا فيظهرون ويقتلون؟ قال له عليّ; ادْنُه، ادْنُهْ! ثم قال; " فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ، يوم القيامة.10715- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن ذَرّ، عن يسيع الكندي في قوله; " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، قال; جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال; كيف هذه الآية; " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "؟ فقال علي; ادْنُهْ،" فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله "، يوم القيامة،" للكافرين على المؤمنين سبيلا ".10716- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن ذر، عن يُسيع الحضرمي، عن علي بنحوه.10717- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا غندر، عن شعبة قال; سمعت سليمان يحدّث، عن ذر، عن رجل، عن عليّ رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية; " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، قال; في الآخرة. (11)10718- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك; " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، يوم القيامة.* * *10719- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس; " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، قال; ذاك يوم القيامة.وأما " السبيل "، في هذا الموضع، فالحجة، (12) كما;-10720- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله; " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا "، قال; حجةً.--------------الهوامش ;(1) انظر تفسير"التربص" فيما سلف 4 ; 456 ، 515 / 5 ; 79.(2) انظر تفسير"نصيب" فيما سلف ص 212 ، تعليق; 1 ، والمراجع هناك.(3) في المطبوعة وحدها; "وقالوا ألم نكن معكم" ، وهو سهو من الناشر الأول.(4) انظر تفسير"الحكم" فيما سلف ص; 175.(5) انظر تفسير"السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة.(6) قوله; "أحاذ يحيذ" ، لم أجده في معاجم اللغة ، وهو صحيح في العربية ، وقالوا مكانه; "أحوذ ثوبه" إذا ضمه ، وجاءوا ببيت لبيد الآتي شاهدا عليه. وانظر ما سيأتي بعد بيت لبيد.(7) ديوانه; 71 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 ; 141 ، واللسان (حوذ) (حوز) ، ورواية الديوان;يَحُوذُهــا وَهْــوَ لَهَــا حُــوذِيُّخَــوْفَ الخِــلاطِ فَهْــوَ أَجْـنَبِيُّكَمَـــا يَحُــوذُ الفِئَــةَ الكَــمِيُّوفسروا"يحوذها"; يسوقها سوقًا شديدًا ، ومثله"يحوزها" في الرواية الآتية.(8) انظر اللسان (حوذ) و(حوز).(9) "العير" حمار الوحش ، و"الأتن" جمع"أتان" ، وهي أنثاه.(10) ديوانه; القصيدة; 17 ، البيت; 39 ، واللسان (حوذ) ، وقوله; "إذا اجتمعت" يعني إناث حمار الوحش حين دعاها إلى الماء ، فضمها من جانبيها ، يأتيها من هذا الجانب مرة ، ومن هذا مرة حتى غلبها ولم شتاتها ، و"العوج الطوال" قوائمه ، وبعد البيت;رَفَعْــنَ سُــرَادِقًا فـي يَـوْمِ رِيـحٍيُصَفَّــقُ بيــن مَيْــلٍ واعْتِــدالِيعني غبارها ، ارتفع كأنه سرادق تصفقه الريح وتميله مرة هكذا ومرة هكذا ، فهو يميل ويعتدل.(11) الآثار; 10714 - 10717-"ذر" (بفتح الذال) هو; "ذر بن عبد الله المرهبي" ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. مضى برقم; 2918.و"يسيع بن معدان الحضرمي ، والكندي" ، تابعي ثقة. مضى برقم; 2918. وكان في المطبوعة هنا; "نسيع" بالنون ، وهو خطأ صرف.(12) انظر تفسير"السبيل" فيما سلف قريبًا ص; 324 ، تعليق; 4 ، والمراجع هناك.
ثم ذكر تحقيق موالاة المنافقين للكافرين ومعاداتهم للمؤمنين فقال: { الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } أي: ينتظرون الحالة التي تصيرون عليها، وتنتهون إليها من خير أو شر، قد أعدوا لكل حالة جوابا بحسب نفاقهم. { فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } فيظهرون أنهم مع المؤمنين ظاهرا وباطنا ليسلموا من القدح والطعن عليهم، وليشركوهم في الغنيمة والفيء ولينتصروا بهم. { وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ } ولم يقل فتح؛ لأنه لا يحصل لهم فتح، يكون مبدأ لنصرتهم المستمرة، بل غاية ما يكون أن يكون لهم نصيب غير مستقر، حكمة من الله. فإذا كان ذلك { قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } أي: نستولي عليكم { وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } أي: يتصنعون عندهم بكف أيديهم عنهم مع القدرة، ومنعهم من المؤمنين بجميع وجوه المنع في تفنيدهم وتزهيدهم في القتال، ومظاهرة الأعداء عليهم، وغير ذلك مما هو معروف منهم. { فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } فيجازي المؤمنين ظاهرا وباطنا بالجنة، ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات. { وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } أي: تسلطا واستيلاء عليهم، بل لا تزال طائفة من المؤمنين على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، ولا يزال الله يحدث من أسباب النصر للمؤمنين، ودفعٍ لتسلط الكافرين، ما هو مشهود بالعيان. حتى إن [بعض] المسلمين الذين تحكمهم الطوائف الكافرة، قد بقوا محترمين لا يتعرضون لأديانهم ولا يكونون مستصغرين عندهم، بل لهم العز التام من الله، فله الحمد أوّلًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا.
(الذين) اسم موصول مبني في محل جر نعت للمنافقين في الآية السابقة ،
(يتربصون) مضارع مرفوع ... والواو فاعلـ (الباء) حرف جر و (كم) ضمير في محل جر متعلق بـ (يتربصون) ،
(الفاء) استئنافية
(إن) حرف شرط جازم
(كان) فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط
(لكم) مثل بكم متعلق بخبر كان مقدم
(فتح) اسم كان مؤخر مرفوع
(من الله) جارّ ومجرور متعلّق بنعت لفتح
(قالوا) فعل ماض مبني على الضم ... والواو فاعلـ (الهمزة) للاستفهام
(لم) حرف نفي وقلب وجزم
(نكن) مضارع ناقص مجزوم، واسمه ضمير مستتر تقديره نحن
(معكم) ظرف مكان منصوب متعلق بخبر نكن ... و (كم) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(إن كان ... نستحوذ) مثل نظيرتها المتقدمة
(عليكم) مثل بكم متعلق بـ (نستحوذ) ،
(الواو) عاطفة
(نمنع) مضارع مجزوم معطوف على نستحوذ و (كم) ضمير مفعول به، والفاعل نحن
(من المؤمنين) جار ومجرور متعلق بـ (نمنعكم) ، وعلامة الجر الياء
(الفاء) استئنافية
(الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع
(يحكم) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (بين) ظرف مكان منصوب متعلق بـ (يحكم) ، و (كم) ضمير مضاف إليه
(يوم) ظرف زمان منصوب متعلق بـ (يحكم) ،
(القيامة) مضاف إليه مجرور
(الواو) عاطفة
(لن) حرف نفي ونصب واستقبالـ (يجعل) مضارع منصوبـ (الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(للكافرين) جار ومجرور متعلق بـ (يجعل) ، وعلامة الجر الياء
(على المؤمنين) جار ومجرور متعلق بحال من(سبيلا) وهو مفعول به منصوب.جملة «يتربصون ... » لا محل لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة «كان لكم فتح» لا محل لها استئنافية.
وجملة «قالوا» لا محل لها جواب شرط جازم غير مقترنة بالفاء.
وجملة «لم نكن معكم» في محل نصب مقول القول.
وجملة «كان للكافرين نصيب» لا محل لها معطوفة على جملة كان لكم فتح.
وجملة «قالوا
(الثانية) » لا محلّ لها جواب الشرط الجازم غير مقترنة بالفاء.
وجملة «لم نستحوذ ... » في محل نصب مقول القول.
وجملة «نمنعكم» في محل نصب معطوفة على جملة مقول القول.
وجملة «الله يحكم ... » لا محل لها استئنافية .
وجملة «يحكم بينكم» في محل رفع خبر المبتدأ
(الله) .
وجملة «لن يجعل الله ... » لا محل لها معطوفة على جملة الله يحكم.
- القرآن الكريم - النساء٤ :١٤١
An-Nisa'4:141