وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمٰنِ نُقَيِّضْ لَهُۥ شَيْطٰنًا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٌ
وَمَنۡ يَّعۡشُ عَنۡ ذِكۡرِ الرَّحۡمٰنِ نُقَيِّضۡ لَهٗ شَيۡطٰنًا فَهُوَ لَهٗ قَرِيۡنٌ
تفسير ميسر:
ومن يُعْرِض عن ذكر الرحمن، وهو القرآن، فلم يَخَفْ عقابه، ولم يهتد بهدايته، نجعل له شيطانًا في الدنيا يغويه؛ جزاء له على إعراضه عن ذكر الله، فهو له ملازم ومصاحب يمنعه الحلال، ويبعثه على الحرام.
أي يتعامى ويتغافل ويعرض "عن ذكر الرحمن" والعشا في العين ضعف بصرها والمراد ههنا عشا البصيرة "نقيض له شيطانا فهو له قرين" كقوله تعالى "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى" الآية وكقوله "فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم" وكقوله جل جلاله "وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم".
قوله تعالى ; ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وقرأ ابن عباس وعكرمة ( ومن يعش ) بفتح الشين ، ومعناه يعمى ، يقال منه عشي يعشى عشا إذا عمي . ورجل أعشى وامرأة عشواء إذا كان لا يبصر ، ومنه قول الأعشى ;رأت رجلا غائب الوافدي ن مختلف الخلق أعشى ضريراوقوله ;أأن رأت رجلا أعشى أضر بهريب المنون ودهر مفند خبلالباقون بالضم ، من عشا يعشو إذا لحقه ما يلحق الأعشى . وقال الخليل ; العشو هو النظر ببصر ضعيف ، وأنشد ;متى تأته تعشو إلى ضوء نارهتجد خير نار عندها خير موقدوقال آخر ;لنعم الفتى يعشو إلى ضوء نارهإذا الريح هبت والمكان جديبالجوهري ; والعشا ( مقصور ) مصدر الأعشى وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار . والمرأة عشواء ، وامرأتان عشواوان . وأعشاه الله فعشي ( بالكسر ) يعشى عشى ، وهما يعشيان ، ولم يقولوا يعشوان ; لأن الواو لما صارت في الواحد ياء لكسرة ما قبلها تركت في التثنية على حالها . وتعاشى إذا أرى من نفسه أنه أعشى . والنسبة إلى أعشى أعشوي . وإلى العشية عشوي . والعشواء ; الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء . وركب فلان العشواء إذا خبط أمره على غير بصيرة . وفلان خابط خبط عشواء .وهذه الآية تتصل بقوله أول السورة ; أفنضرب عنكم الذكر صفحا أي ; نواصل لكم الذكر ، فمن يعش عن ذلك الذكر بالإعراض عنه إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم ( نقيض له شيطانا ) [ ص; 83 ] أي ; نسبب له شيطانا جزاء له على كفره ( فهو له قرين ) قيل في الدنيا ، يمنعه من الحلال ، ويبعثه على الحرام ، وينهاه عن الطاعة ، ويأمره بالمعصية ، وهو معنى قول ابن عباس . وقيل ; في الآخرة إذا قام من قبره ، قاله سعيد الجريري . وفي الخبر ; أن الكافر إذا خرج من قبره يشفع بشيطان لا يزال معه حتى يدخلا النار . وأن المؤمن يشفع بملك حتى يقضي الله بين خلقه ، ذكره المهدوي . وقال القشيري ; والصحيح ( فهو له قرين ) في الدنيا والآخرة . وقال أبو الهيثم والأزهري ; عشوت إلى كذا أي ; قصدته . وعشوت عن كذا أي ; أعرضت عنه ، فتفرق بين ( إلى ) و " عن " ، مثل ; ملت إليه وملت عنه . وكذا قال قتادة ; ( يعش ) ، يعرض ، وهو قول الفراء . النحاس ; وهو غير معروف في اللغة . وقال القرظي ; يولي ظهره ، والمعنى واحد . وقال أبو عبيدة والأخفش ; تظلم عينه . وأنكر العتبي عشوت بمعنى أعرضت ، قال ; وإنما الصواب تعاشيت . والقول قول أبي الهيثم والأزهري . وكذلك قال جميع أهل المعرفة .وقرأ السلمي وابن أبي إسحاق ويعقوب وعصمة عن عاصم وعن الأعمش ( يقيض ) ( بالياء ) لذكر ( الرحمن ) أولا ، أي ; يقيض له الرحمن شيطانا . الباقون بالنون . وعن ابن عباس ; يقيض له شيطان فهو له قرين ، أي ; ملازم ومصاحب . قيل ; ( فهو ) كناية عن الشيطان ، على ما تقدم . وقيل ; عن الإعراض عن القرآن ، أي ; هو قرين للشيطان .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)يقول تعالى ذكره; ومن يعرض عن ذكر الله فلم يخف سطوته, ولم يخش عقابه ( نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) يقول; نجعل له شيطانا يغويه فهو له قرين; يقول; فهو للشيطان قرين, أي يصير كذلك, وأصل العشو; النظر بغير ثبت لعلة في العين, يقال منه; عشا فلان يعشو عشوا وعشوّا; إذا ضعف بصره, وأظلمت عينه, كأن عليه غشاوة, كما قال الشاعر;مَتـى تَأتِـهِ تَعْشُـو إلـى ضَـوْءِ نارِهِتَجِـدْ حَطَبـا جَـزْلا وَنـارًا تَأَجَّجـا (2)يعني; متى تفتقر فتأته يعنك. وأما إذا ذهب البصر ولم يبصر, فإنه يقال فيه; عَشِيَ فلان يَعْشَى عَشًى منقوص, ومنه قول الأعشى?رأتْ رَجُـــلا غَــائِبَ الوَافِــدَيْنِمُخْــتَلِفَ الخَـلْقِ أعْشَـى ضَرِيـرا (3)يقال منه; رجل أعشى وامرأة عشواء. وإنما معنى الكلام; ومن لا ينظر في حجج الله بالإعراض منه عنه إلا نظرًا ضعيفًا, كنظر من قد عَشِيَ بصره ( نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا ). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله; ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا ) يقول; إذا أعرض عن ذكر الله نقيض له شيطانا( فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ).حدثنا محمد, قال; ثنا أحمد, قال; ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله; ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ) قال; يعرض.وقد تأوّله بعضهم بمعنى. ومن يعمَ, ومن تأوّل ذلك كذلك, فيحب أن تكون قراءته ( وَمَنْ يَعْشَ ) بفتح الشين على ما بيَّنت قيل.* ذكر من تأوّله كذلك; حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله; ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ) قال; من يعمَ عن ذكر الرحمن.
يخبر تعالى عن عقوبته البليغة، لمن أعرض عن ذكره، فقال: { وَمَنْ يَعْشُ } أي: يعرض ويصد { عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ } الذي هو القرآن العظيم، الذي هو أعظم رحمة رحم بها الرحمن عباده، فمن قبلها، فقد قبل خير المواهب، وفاز بأعظم المطالب والرغائب، ومن أعرض عنها وردها، فقد خاب وخسر خسارة لا يسعد بعدها أبدا، وقيَّض له الرحمن شيطانا مريدا، يقارنه ويصاحبه، ويعده ويمنيه، ويؤزه إلى المعاصي أزا،
(الواو) استئنافيّة
(من) اسم شرط جازم في محلّ رفع مبتدأ
(عن ذكر) متعلّق بـ (يعش) ،
(له) متعلّق بـ (نقيّض) ،
(الفاء) عاطفة
(له) الثاني متعلّق بـ (قرين) .
جملة: «من يعش ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يعش» في محلّ رفع خبر المبتدأ
(من) «1» .
وجملة: «نقيّض ... » لا محلّ لها جواب الشرط غير مقترنة بالفاء.
وجملة: «هو له قرين» في محلّ نصب معطوفة على مقدّر هو نعت لـ (شيطانا) أي: شيطانا يفتنه فهو له قرين.
37-
(الواو) عاطفة
(اللام) المزحلقة للتوكيد
(عن السبيل) متعلّق بـ (يصدّونهم) ...
(الواو) حاليّة.
والمصدر المؤوّلـ (أنّهم مهتدون) في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي يحسبون، والضمير فيه يعود إلى
(العاشين) في قوله من يعش ...وجملة: «إنّهم ليصدون» في محلّ نصب معطوفة على جملة هو له قرين.
وجملة: «يصدّون ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «يحسبون ... » في محلّ نصب حال.
38-
(حتّى) حرف ابتداء
(يا) للتنبيه
(بيني) ظرف منصوب متعلّق بمحذوف خبر ليت..
(بينك) ظرف منصوب معطوف على الظرف الأولـ (بعد) اسم ليت منصوبـ (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(القرين) فاعل بئس..
والمخصوص بالذمّ محذوف تقديره أنت.
وجملة: «جاءنا ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «قال ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.وجملة: «ليت بيني ... بعد» في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «بئس القرين» في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي إن كنت اتّخذتك قرينا فبئس القرين أنت.