وَلَمَّا جَآءَ عِيسٰى بِالْبَيِّنٰتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ
وَ لَمَّا جَآءَ عِيۡسٰى بِالۡبَيِّنٰتِ قَالَ قَدۡ جِئۡتُكُمۡ بِالۡحِكۡمَةِ وَلِاُبَيِّنَ لَكُمۡ بَعۡضَ الَّذِىۡ تَخۡتَلِفُوۡنَ فِيۡهِ ۚ فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَاَطِيۡعُوۡنِ
تفسير ميسر:
ولما جاء عيسى بني إسرائيل بالبينات الواضحات من الأدلة قال; قد جئتكم بالنبوة، ولأبيِّن لكم بعض الذي تختلفون فيه من أمور الدين، فاتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأطيعون فيما أمرتكم به من تقوى الله وطاعته.
"و لما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة" أي بالنبوة "ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه" قال ابن جرير يعني من الأمور الدينية لا الدنيوية وهذا الذي قاله حسن جيد ثم رد قول من زعم أن بعض ههنا بمعنى كل واستشهد بقول لبيد الشاعر حيث قال; تزال أمكنة إذا لم أرضهـا أو يتعلق بعض النفوس حمامهـا وأولوه علي أنه أراد جميع النفوس; قال ابن جرير وإنما أراد نفسه فقط وعبر بالبعض عنها وهذا الذي قاله محتمل.وقوله عز وجل "فاتقوا الله" أي فيما أمركم به "وأطيعون" فيما جئتكم به.
قوله تعالى ; ولما جاء عيسى بالبينات قال ابن عباس ; يريد إحياء الموتى وإبراء الأسقام ، وخلق الطير ، والمائدة وغيرها ، والإخبار بكثير من الغيوب . وقال قتادة ; البينات هنا الإنجيل . ( قال قد جئتكم بالحكمة ) أي النبوة ، قاله السدي . ابن عباس ; علم ما يؤدي إلى الجميل ويكف عن القبيح . وقيل الإنجيل ، ذكره القشيري والماوردي . ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه قال مجاهد ; من تبديل التوراة . الزجاج ; المعنى لأبين لكم في الإنجيل بعض الذي تختلفون فيه من تبديل التوراة . قال مجاهد ; وبين لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه . وقيل ; بين لهم بعض الذي اختلفوا فيه من أحكام التوراة على قدر ما سألوه . ويجوز أن يختلفوا في أشياء غير ذلك لم يسألوه عنها . وقيل ; إن بني إسرائيل اختلفوا بعد موت موسى في أشياء من أمر دينهم وأشياء من أمر دنياهم فبين لهم أمر دينهم . ومذهب أبي عبيدة أن البعض بمعنى الكل ، ومنه قوله تعالى ; يصبكم بعض الذي يعدكم وأنشد الأخفش قول لبيد ;تراك أمكنة إذا لم أرضها أو تعتلق بعض النفوس ما بهاوالموت لا يعتلق بعض النفوس دون بعض . ويقال للمنية ; علوق وعلاقة . قال المفضل البكري ;وسائلة بثعلبة بن سير وقد علقت بثعلبة العلوقوقال مقاتل ; هو كقوله ; ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم يعني ما أحل في الإنجيل مما كان محرما في التوراة ، كلحم الإبل والشحم من كل حيوان ، وصيد السمك يوم السبت . ( فاتقوا الله ) أي اتقوا الشرك ولا تعبدوا إلا الله وحده ، وإذا كان هذا قول عيسى [ ص; 100 ] فكيف يجوز أن يكون إلها أو ابن إله . ( وأطيعون ) فيما أدعوكم إليه من التوحيد وغيره .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63)يقول تعالى ذكره; ولم جاء عيسى بني إسرائيل بالبينات, يعني بالواضحات من الأدلة. وقيل; عُني بالبيِّنات; الإنجيل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة ( وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ ) أي بالإنجيل. وقوله; ( قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ ) قيل; عُني بالحكمة في هذا الموضع; النبوّة.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد, قال; ثنا أحمد, قال; ثنا أسباط, عن السديّ( قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ ) قال; النبوّة.وقد بيَّنت معنى الحكمة فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده, وذكرت اختلاف المختلفين في تأويله, فأغنى ذلك عن إعادته.وقوله; ( وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) يقول; ولأبين لكم معشر بني إسرائيل بعض الذي تختلفون فيه من أحكام التوراة.كما حدثني محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن قال; ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله; ( وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) قال; من تبديل التوراة.وقد قيل; معنى البعض في هذا الموضع بمعنى الكلّ, وجعلوا ذلك نظير قول لبيد?تَــرَّاكُ أمْكِنَــةٍ إذَا لَــمْ أرْضَهَـاأوْ يَعْتَلِـقْ بَعْـضَ النُّفـوسِ حِمامُهـا (1)قالوا; الموت لا يعتلق بعض النفوس, وإنما المعنى; أو يعتلق النفوس حمامها, وليس لما قال هذا القائل كبير معنى, لأن عيسى إنما قال لهم; ( وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ), لأنه قد كان بينهم اختلاف كثير في أسباب دينهم ودنياهم, فقال لهم; أبين لكم بعض ذلك, وهو أمر دينهم دون ما هم فيه مختلفون من أمر دنياهم, فلذلك خص ما أخبرهم أنه يبينه لهم. وأما قول لبيد; " أو يعتلق بعض النفوس ", فإنه إنما قال ذلك أيضا كذلك, لأنه أراد; أو يعتلق نفسه حمامها, فنفسه من بين النفوس لا شكّ أنها بعض لا كل.وقوله; ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ) يقول; فاتقوا ربكم أيها الناس بطاعته, وخافوه باجتناب معاصيه, وأطيعون فيما أمرتكم به من اتقاء الله واتباع أمره, وقبول نصيحتي لكم.-------------------الهوامش ;(1) البيت للبيد ( مجاز القرآن لأبي عبيدة . الورقة 221 ) أنشده عند قوله تعالى ; ( لأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ) قال ; البعض هاهنا ; كله . قال لبيد ;" تراك ... البيت" . وفي شرح الزوزني للمعلقات السبع ( ص 116 ) يقول ; إني تراك أماكن إذا لم أرضها إلا أن يرتبط نفسي حمامها ، فلا يمكنها البراح . وأراد ببعض النفوس هنا ; نفسه . هذا أوجه الأقوال وأحسنها . ومن جعل بعض النفوس بمعنى كل النفوس ، فقد أخطأ لأن بعضا لا يفيد العموم والاستيعاب . وتحرير المعنى ; إني لا أترك الأماكن أجتويها وأقلبها ، إلا أن أموت . وقال التبريزي في شرح القصائد العشر ، ( ص 160 ) يقول ; أترك الأمكنة إذا رأيت فيها ما يكره إلا أن يدركني الموت . وأراد بالنفوس نفسه ، ويعتلق ; يحبس . والحمام ; الموت . ويقال القدر . وقوله أو يعتلق مجزوم عطفا على قوله ; إذا لم أرضها . ا هـ .
{ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ } الدالة على صدق نبوته وصحة ما جاءهم به، من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، ونحو ذلك من الآيات. { قَالَ } لبني إسرائيل: { قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ } النبوة والعلم، بما ينبغي على الوجه الذي ينبغي. { وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } أي: أبين لكم صوابه وجوابه، فيزول عنكم بذلك اللبس، فجاء عليه السلام مكملا ومتمما لشريعة موسى عليه السلام، ولأحكام التوراة. وأتى ببعض التسهيلات الموجبة للانقياد له، وقبول ما جاءهم به. { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } أي: اعبدوا الله وحده لا شريك له، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، وآمنوا بي وصدقوني وأطيعون.
(الواو) استئنافيّة
(بالبيّنات) متعلّق بحال من عيسى
(بالحكمة) متعلّق بحال من فاعل جئتكم
(الواو) عاطفة في الموضعين
(اللام) لتعليلـ (أبيّن) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام
(لكم) متعلّق بـ (أبيّن) .
والمصدر المؤوّلـ (أن أبين..) في محلّ جرّ باللام متعلّق بفعل محذوفتقديره جئتكم..
(الذي) موصول في محلّ جرّ مضاف إليه
(فيه) متعلّق بـ (تختلفون) ،
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر، و (النون) في(أطيعون) للوقاية، جاءت قبل ياء المتكلّم المحذوفة لمناسبة فاصلة الآية..
جملة: «جاء عيسى ... » في محلّ جرّ مضاف إليه ... وجملة الشرط وفعله وجوابه لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «قال ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «قد جئتكم ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «أبيّن ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «تختلفون ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) .
وجملة: «اتّقوا الله ... » في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي إن بلغكم ما أقول فاتّقوا..
وجملة: «أطيعون ... » في محلّ جزم معطوفة على جملة اتّقوا الله.
64-
(هو) ضمير فصل ،
(الفاء) للربط.
وجملة: «إنّ الله ... ربّي ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «اعبدوه» لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر أي: تنبّهوا فاعبدوه.
وجملة: «هذا صراط ... » لا محلّ لها تعليليّة .
65-
(الفاء) عاطفة في الموضعين
(من بينهم) متعلّق بحال من الأحزاب ،(ويل) مبتدأ مرفوع ،
(للذين) متعلّق بخبر المبتدأ ويلـ (من عذاب) متعلّق بالخبر المحذوف .
وجملة: «اختلف الأحزاب ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الاستئناف في قوله
(ولمّا جاء عيسى بالبيّنات) .
وجملة: «ويل للذين ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة اختلف الأحزاب.
وجملة: «ظلموا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .