قُلْ يٰٓأَهْلَ الْكِتٰبِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلَّآ أَنْ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فٰسِقُونَ
قُلۡ يٰۤـاَهۡلَ الۡـكِتٰبِ هَلۡ تَـنۡقِمُوۡنَ مِنَّاۤ اِلَّاۤ اَنۡ اٰمَنَّا بِاللّٰهِ وَمَاۤ اُنۡزِلَ اِلَـيۡنَا وَمَاۤ اُنۡزِلَ مِنۡ قَبۡلُ ۙ وَاَنَّ اَكۡثَرَكُمۡ فٰسِقُوۡنَ
تفسير ميسر:
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المستهزئين من أهل الكتاب; ما تَجِدُونه مطعنًا أو عيبًا هو محمدة لنا; من إيماننا بالله وكتبه المنزلة علينا، وعلى من كان قبلنا، وإيماننا بأن أكثركم خارجون عن الطريق المستقيم!
يقول تعالى قل يا محمد لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من أهل الكتاب;" هل تنقمون منا إلا أن أمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل" أي هل لكم علينا مطعن أو عيب إلا هذا ؟ وهذا ليس بعيب ولا مذمة فيكون الاستثناء منقطع كما في قوله تعالى" وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" وكقوله" وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله" وفي الحديث المتفق عليه" ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله" وقوله" وأن أكثركم فاسقون" معطوف على" أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل" أي وأمنا بأن أكثركم فاسقون أي خارجون عن الطريق المسقيم.
قوله تعالى ; قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقونقوله تعالى ; قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا قال ابن عباس رضي الله عنه ; جاء نفر من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافع - إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل عليهم السلام ; فقال ; نؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل إلى قوله ونحن له مسلمون ، فلما ذكر عيسى عليه السلام جحدوا نبوته وقالوا ; والله ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ولا دينا شرا من دينكم ; فنزلت هذه الآية وما بعدها ، وهي متصلة بما سبقها من إنكارهم الأذان ; فهو جامع للشهادة لله بالتوحيد ، ولمحمد بالنبوة ، والمتناقض دين من فرق بين أنبياء الله لا دين من يؤمن بالكل ، ويجوز إدغام اللام في التاء لقربها منها . وتنقمون معناه تسخطون ، وقيل ; تكرهون وقيل ; تنكرون ، والمعنى متقارب ; يقال ; نقم من كذا ينقم ونقم ينقم ، والأول أكثر قال عبد الله بن قيس الرقيات ;ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إن غضبواوفي التنزيل وما نقموا منهم ويقال ; نقمت على الرجل بالكسر فأنا ناقم إذا عتبت عليه ; يقال ; ما نقمت عليه الإحسان . قال الكسائي ; نقمت بالكسر لغة ، ونقمت الأمر أيضا ونقمته إذا كرهته ، وانتقم الله منه أي ; عاقبه ، والاسم منه النقمة ، والجمع نقمات ونقم مثل كلمة [ ص; 172 ] وكلمات وكلم ، وإن شئت سكنت القاف ونقلت حركتها إلى النون فقلت ; نقمة والجمع نقم ; مثل نعمة ونعم ، إلا أن آمنا بالله في موضع نصب ب تنقمون و تنقمون بمعنى تعيبون ، أي ; هل تنقمون منا إلا إيماننا بالله وقد علمتم أنا على الحق . وأن أكثركم فاسقون أي ; في ترككم الإيمان ، وخروجكم عن امتثال أمر الله فقيل هو مثل قول القائل ; هل تنقم مني إلا أني عفيف وأنك فاجر ، وقيل ; أي ; لأن أكثركم فاسقون تنقمون منا ذلك .
القول في تأويل قوله ; قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم; قل، يا محمد، لأهل الكتاب من اليهود والنصارى; يا أهل الكتاب، هل تكرهون منا أو تجدون علينا في شيء إذ تستهزئون بديننا، وإذ أنتم إذا نادينا إلى الصلاة اتخذتم نداءنا ذلك هزوًا ولعبًا (1) =" إلا أن آمنا بالله "، يقول; إلا أن صدقنا وأقررنا بالله فوحدناه، وبما أنـزل إلينا من عند الله من الكتاب، وما أنـزل إلى أنبياء الله من الكتب من قبل كتابنا=" وأن أكثركم فاسقون "، يقول; وإلا أن أكثركم مخالفون أمر الله، خارجون عن طاعته، تكذبون عليه. (2)* * *والعرب تقول; " نقَمتُ عليك كذا أنقِم "= وبه قرأه القرأة من أهل الحجاز والعراق وغيرهم= و " نقِمت أنقِم "، لغتان (3) = ولا نعلم قارئًا قرأ بهما (4) بمعنى وجدت وكرهت، (5) ومنه قول عبد الله بن قيس الرقيات; (6)مَــا نَقَمُــوا مِـنْ بَنِـي أُمَيَّـةَ إِلاأَنَّهُـــمْ يَحْـــلُمُونَ إِنْ غَضِبُــوا (7)* * *وقد ذكر أن هذه الآية نـزلت بسبب قوم من اليهود.ذكر من قال ذلك;12219 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق، قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال; أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نفرٌ من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب، ورافع بن أبي رافع، وعازر، (8) وزيد، وخالد، وأزار بن أبي أزار، وأشيع، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ قال; أومن بالله وما أنـزل إلينا وما أنـزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. (9) فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا; لا نؤمن بمن آمن به! (10) فأنـزل الله فيهم; " قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا آمنا بالله وما أنـزل إلينا وما أنـزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ". (11)* * *= عطفًا بها على " أن " التي في قوله; " إلا أن آمنا بالله "، (12) لأن معنى الكلام; هل تنقمون منا إلا إيمانَنا بالله وفسقكم.-----------------الهوامش ;(1) في المطبوعة; "أو تجدون علينا حتى تستهزئوا بديننا إذ أنتم إذا نادينا إلى الصلاة" ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، فحذف وغير وبدل ، وأساء غاية الإساءة.(2) انظر تفسير"الفسق" فيما سلف ص; 393 تعليق; 3 ، والمراجع هناك.(3) اللغة الأولى"نقم" (بفتحتين)"ينقم" (بكسر القاف) = واللغة الثانية"نقم" (بفتح فكسر)"ينقم" (بكسر القاف أيضا).(4) في المطبوعة; "قرأ بها" بالإفراد ، والصواب ما في المخطوطة ، ويعني"نقمت" ، أنقم. من اللغة الثانية.(5) "وجدت" من قولهم; "وجد عليه يجد وجدًا وموجدة"; غضب.(6) مختلف في اسمه يقال; "عبد الله" ويقال; "عبيد الله" بالتصغير ، وهو الأكثر.(7) ديوانه; 70 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1; 170 ، واللسان (نقم) ، من قصيدته التي قالها لعبد الملك بن مروان ، في خبر طويل ذكره أبو الفرج في الأغاني 5; 76- 80 ، وبعد البيت;وأنَّهُــمْ مَعْــدِنَ المُلُــوكِ، فَــلاتَصْلُـــحُ إلا عَلَيْهِــــمُ العَــرَبُإِن الفَنِيــق الَّــذِي أَبُــوهُ أَبُــوالعَــاصِي، عَلَيْـهِ الوَقَـارُ والحُجُـبُخَلِيفَــةُ اللـــهِ فَــوْقَ مِنْــبَرِهجَــفَّتْ بِــذَاكَ الأقْـــلامُ والكُـتُبُيَعْتَــدِلُ التَّــاجُ فَــوْقَ مَفْرِقِــهِعَـــلَى جَــبِينٍ كأَنّــهُ الــذَّهَبُ(8) في المخطوطة; "عازي" ، وصوابه من المراجع الآتي ذكرها.(9) هذا تضمين آية سورة البقرة; 136.(10) في المخطوطة; "لا نؤمن آمن به" ، أسقط"بمن".(11) الأثر; 12219- سيرة ابن هشام 2; 216 ، ومضى بالإسنادين رقم 2101 ، 2102(12) يعني قوله; "وأن أكثركم فاسقون" ، فتح الألف من"وأن" ، عطفًا بها على"أن" التي في قوله; "إلا أن آمنا بالله".
{ قُلْ ْ} يا أيها الرسول { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ْ} ملزما لهم، إن دين الإسلام هو الدين الحق، وإن قدحهم فيه قدح بأمر ينبغي المدح عليه: { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ْ} أي: هل لنا عندكم من العيب إلا إيماننا بالله، وبكتبه السابقة واللاحقة، وبأنبيائه المتقدمين والمتأخرين، وبأننا نجزم أن من لم يؤمن كهذا الإيمان فإنه كافر فاسق؟ فهل تنقمون منا بهذا الذي هو أوجب الواجبات على جميع المكلفين؟\" ومع هذا فأكثركم فاسقون، أي: خارجون عن طاعة الله، متجرئون على معاصيه، فأولى لكم -أيها الفاسقون- السكوت، فلو كان عيبكم وأنتم سالمون من الفسق، وهيهات ذلك - لكان الشر أخف من قدحكم فينا مع فسقكم.
(قل) فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(يا) أداة نداء
(أهل) منادى مضاف منصوبـ (الكتاب) مضاف إليه مجرور
(هل) حرف استفهام متضمّن معنى النفي(تنقمون) مضارع مرفوع.. والواو فاعلـ (من) حرف جرّ و (نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (تنقمون) متضمّنا معنى تكرهون
(إلّا) أداة حصر
(أن) حرف مصدريّ فقط
(آمنّا) فعل ماض مبني على السكون وفاعله
(بالله) جارّ ومجرور متعلّق بـ (آمنا) . والمصدر المؤوّلـ (أن آمنّا) في محلّ نصب مفعول به عامله تنقمون أي: تنقمون منّا إيماننا بالله. (الواو) عاطفة
(ما) اسم موصول مبني في محلّ جرّ معطوف على لفظ الجلالة
(أنزل) فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو وهو العائد
(إلى) حرف جرّ و (نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (أنزل) ،
(الواو) عاطفة
(ما أنزل) مثل الأولى ومعطوفة عليها
(من) حرف جرّ
(قبل) اسم مبني على الضمّ في محلّ جرّ متعلّق بـ (أنزل) الثاني
(الواو) عاطفة
(أنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد
(أكثر) اسم أنّ منصوب و (كم) ضمير في محلّ جرّ مضاف إليه
(فاسقون) خبر أنّ مرفوع وعلامة الرفع الواو. والمصدر المؤوّلـ (أنّ أكثركم فاسقون) في محلّ جرّ معطوف على لفظ الجلالة أي تنقمون منّا إيماننا بالله وبأنّ أكثركم فاسقون . جملة «قل» : لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة النداء «يا أهل الكتاب» : في محلّ نصب مقول القول. وجملة «هل تنقمون» : لا محلّ لها جواب النداء. وجملة «آمنّا ... » : لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) . وجملة «أنزل إلينا» : لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الأول.