الرسم العثمانيالَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيٰوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ
الـرسـم الإمـلائـياۨلَّذِىۡ خَلَقَ الۡمَوۡتَ وَالۡحَيٰوةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ اَيُّكُمۡ اَحۡسَنُ عَمَلًا ؕ وَهُوَ الۡعَزِيۡزُ الۡغَفُوۡرُۙ
تفسير ميسر:
الذي خلق الموت والحياة؛ ليختبركم - أيها الناس-; أيكم خيرٌ عملا وأخلصه؟ وهو العزيز الذي لا يعجزه شيء، الغفور لمن تاب من عباده. وفي الآية ترغيب في فعل الطاعات، وزجر عن اقتراف المعاصي.
قال تعالى "الذي خلق الموت والحياة" واستدل بهذه الآية من قال إن الموت أمر وجودي لأنه مخلوق ومعنى الآية أنه أوجد الخلائق من العدم "ليبلوهم" أي يختبرهم "أيهم أحسن عملا" كما قال تعالى "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم" فسمى الحال الأول وهو العدم موتا وسمى هذه النشأة حياة ولهذا قال تعالى "ثم يميتكم ثم يحييكم" وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا صفوان حدثنا الوليد حدثنا خليد عن قتادة في قوله تعالى "الذي خلق الموت والحياة" قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول; "إن الله أذل بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء".. ورواه معمر عن قتادة وقوله تعالى "ليبلوكم أيكم أحسن عملا" أي خير عملا كما قال محمد بن عجلان ولم يقل أكثر عملا ثم قال تعالى "وهو العزيز الغفور" أي هو العزيز العظيم المنيع الجناب وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب بعدما عصاه وخالف أمره وإن كان تعالى عزيزا هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز.
قوله تعالى ; الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفورفيه مسألتان ;الأولى ; قوله تعالى ; الذي خلق الموت والحياة فيه مسألتان ; قيل ; المعنى خلقكم للموت والحياة ; يعني للموت في الدنيا والحياة في الآخرة وقدم الموت على الحياة ; لأن الموت إلى القهر أقرب ; كما قدم البنات على البنين فقال ; يهب لمن يشاء إناثا . وقيل ; قدمه لأنه أقدم ; لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوه . وقال قتادة ; كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ; " إن الله تعالى أذل بني آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء " . وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ; " لولا ثلاث ما [ ص; 191 ] طأطأ ابن آدم رأسه ; الفقر والمرض والموت ، وإنه مع ذلك لوثاب " .المسألة الثانية ; الموت والحياة قدم الموت على الحياة ، لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه ; فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم ، قال العلماء ; الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف ، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته ، وحيلولة بينهما ، وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار . والحياة عكس ذلك . وحكي عن ابن عباس والكلبي ومقاتل أن الموت والحياة جسمان ، فجعل الموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات ، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء - وهي التي كان جبريل والأنبياء عليهم السلام يركبونها - خطوتها مد البصر ، فوق الحمار ودون البغل ، لا تمر بشيء يجد ريحها إلا حيي ، ولا تطأ على شيء إلا حيي . وهي التي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل فحيي . حكاه الثعلبي والقشيري عن ابن عباس . والماوردي ; معناه عن مقاتل والكلبي .قلت ; وفي التنزيل ; قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ، ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ثم توفته رسلنا ، ثم قال ; الله يتوفى الأنفس حين موتها . فالوسائط ملائكة مكرمون صلوات الله عليهم . وهو سبحانه المميت على الحقيقة ، وإنما يمثل الموت بالكبش في الآخرة ويذبح على الصراط ; حسب ما ورد به الخبر الصحيح . وما ذكر عن ابن عباس يحتاج إلى خبر صحيح يقطع العذر . والله أعلم . وعن مقاتل أيضا ; خلق الموت ; يعني النطفة والعلقة والمضغة ، وخلق الحياة ; يعني خلق إنسانا ونفخ فيه الروح فصار إنسانا .قلت ; وهذا قول حسن ; يدل عليه قوله تعالى ; ليبلوكم أيكم أحسن عملا وتقدم الكلام فيه في سورة " الكهف " . وقال السدي في قوله تعالى ; الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ ص; 192 ] أي أكثركم للموت ذكرا وأحسن استعدادا ، ومنه أشد خوفا وحذرا . وقال ابن عمر ; تلا النبي صلى الله عليه وسلم ; تبارك الذي بيده الملك حتى بلغ ; أيكم أحسن عملا فقال ; أورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله . وقيل ; معنى ليبلوكم ليعاملكم معاملة المختبر ; أي ليبلو العبد بموت من يعز عليه ليبين صبره ، وبالحياة ليبين شكره . وقيل ; خلق الله الموت للبعث والجزاء ، وخلق الحياة للابتلاء . فاللام في ليبلوكم تتعلق بخلق الحياة لا بخلق الموت ; ذكره الزجاج . وقال الفراء والزجاج أيضا ; لم تقع البلوى على " أي " لأن فيما بين البلوى و " أي " إضمار فعل ; كما تقول ; بلوتكم لأنظر أيكم أطوع . ومثله قوله تعالى ; سلهم أيهم بذلك زعيم أي سلهم ثم انظر أيهم . ف " أيكم " رفع بالابتداء و " أحسن " خبره . والمعنى ; ليبلوكم فيعلم أو فينظر أيكم أحسن عملا .وهو العزيز في انتقامه ممن عصاه .الغفور لمن تاب .
وقوله; (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) فأمات من شاء وما شاء، وأحيا من أراد وما أراد إلى أجل معلوم (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ) يقول; ليختبركم فينظر أيكم له أيها الناس أطوع، وإلى طلب رضاه أسرع.وقد حدثني ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله; (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) قال; أذل الله ابن آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ودار فناء، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ) ذكر أن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقول; " إنَّ الله أذَلَّ ابْنَ آدَمَ بالمَوْتِ".وقوله; (وَهُوَ الْعَزِيزُ ) يقول; وهو القويّ الشديد انتقامه ممن عصاه، وخالف أمره (الْغَفُورُ ) ذنوب من أناب إليه وتاب من ذنوبه.
وخلق الموت والحياة أي: قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم؛ { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } أي: أخلصه وأصوبه، فإن الله خلق عباده، وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء. { وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي له العزة كلها، التي قهر بها جميع الأشياء، وانقادت له المخلوقات. { الْغَفُورُ } عن المسيئين والمقصرين والمذنبين، خصوصًا إذا تابوا وأنابوا، فإنه يغفر ذنوبهم، ولو بلغت عنان السماء، ويستر عيوبهم، ولو كانت ملء الدنيا.
الذي) في محلّ رفع بدل من الموصول الأول فاعل تبارك
(الواو) عاطفة في الموضعين
(اللام) للتعليلـ (يبلوكم) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام
(أيّكم) اسم استفهام مبتدأ مرفوع، و (كم) مضاف إليه
(عملا) تمييز منصوب. وجملة: «خلق ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) الثاني. وجملة: «يبلوكم ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفي(أن) المضمر. والمصدر المؤوّلـ (أن يبلوكم ... ) » في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (خلق) . وجملة: «أيّكم أحسن ... » في محلّ نصب مفعول به ثان عامله يبلوكم المعلّق بالاستفهام أيّكم. وجملة: «هو العزيز ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة .
- القرآن الكريم - الملك٦٧ :٢
Al-Mulk67:2