فَإِذَا قَرَأْنٰهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُۥ
فَاِذَا قَرَاۡنٰهُ فَاتَّبِعۡ قُرۡاٰنَهٗۚ
تفسير ميسر:
لا تحرك -أيها النبي- بالقرآن لسانك حين نزول الوحي؛ لأجل أن تتعجل بحفظه، مخافة أن يتفلَّت منك. إن علينا جَمْعه في صدرك، ثم أن تقرأه بلسانك متى شئت. فإذا قرأه عليك رسولنا جبريل فاستمِعْ لقراءته وأنصت له، ثم اقرأه كما أقرأك إياه، ثم إن علينا توضيح ما أشكل عليك فهمه من معانيه وأحكامه.
"فإذا قرأناه" أي إذا تلاه عليك الملك عن الله تعالى "فاتبع قرآنه" أي فاستمع له ثم اقرأه كما أقرأك.
قال فاستمع له وأنصت .ثم إن علينا أن نقرأه ; قال ; فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل عليهما السلام استمع , وإذا انطلق جبريل عليه السلام قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه ; خرجه البخاري أيضا .ونظير هذه الآية قوله تعالى ; " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه " [ طه ; 114 ] وقد تقدم وقال عامر الشعبي ; إنما كان يعجل بذكره إذا نزل عليه من حبه له , وحلاوته في لسانه , فنهي عن ذلك حتى يجتمع ; لأن بعضه مرتبط ببعض , وقيل ; كان عليه السلام إذا نزل عليه الوحي حرك لسانه مع الوحي مخافة أن ينساه , فنزلت " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه " [ طه ; 114 ] ونزل ; " سنقرئك فلا تنسى " [ الأعلى ; 6 ] ونزل ; " لا تحرك به لسانك " قاله ابن عباس ; " وقرآنه " أي وقراءته عليك .والقراءة والقرآن في قول الفراء مصدران .وقال قتادة ; " فاتبع قرآنه " أي فاتبع شرائعه وأحكامه .
وأشبه القولين بما دلّ عليه ظاهر التنـزيل، القول الذي ذُكر عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، وذلك أن قوله; ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) ينبئ أنه إنما نهى عن تحريك اللسان به متعجلا فيه قبل جمعه، ومعلوم أن دراسته للتذكر إنما كانت تكون من النبيّ صلى الله عليه وسلم من بعد جمع الله له ما يدرس من ذلك.وقوله; ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) يقول تعالى ذكره; إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد حتى نثبته فيه ( وُقرآنَهُ ) يقول; وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد، قال; ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ ) قال; في صدرك ( وَقُرآنَهُ ) قال; تقرؤه بعد.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس; ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) أن نجمعه لك، ( وَقُرآنَهُ ) ; أن نُقرئك فلا تنسى.حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله; ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) يقول; إن علينا أن نجمعه لك حتى نثبته في قلبك.وكان آخرون يتأوّلون قوله; ( وَقُرآنَهُ ) وتأليفه. وكان معنى الكلام عندهم; إن علينا جمعه في قلبك حتى تحفظه، وتأليفه.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) يقول حفظه وتأليفه.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) قال; حفظه وتأليفه. وكان قتادة وجَّه معنى القرآن إلى أنه مصدر من قول القائل; قد قَرَأَتْ هذه الناقةُ في بطنها جَنينا، إذا ضمت رحمها على ولد، كما قال عمرو بن كلثوم;ذِرَاعَــيْ عَيْطَــلٍ أدْمَــاءَ بِكْـرٍهِجــانِ اللَّــوْنِ لـمْ تَقـرأ جَنِينـا (14)يعني بقوله; ( لَمْ تَقرأ ) لم تضمّ رحما على ولد. وأما ابن عباس والضحاك فإنما وجها ذلك إلى أنه مصدر من قول القائل; قرأت أقرأ قرآنا وقراءة.---------------الهوامش ;(14) البيت من معلقة عمرو بن كلثوم المشهورة ( انظره في شرح الزوزني والتبريزي على المعلقات ) وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن ( الورقة 182 ) { فإذا قرأناه } ; جمعناه، وهو من قول العرب; ما قرأت هذه المرأة نسلا قط، قال عمرو بن كلثوم; " لم تقرأ جنينا " . ا هـ . وقال الفراء في معاني القرآن (350 ) { إن علينا جمعه وقرآنه } ; جمعه في قلبك، وقرآنه; قراءته. أي; أن جبريل سيعيد عليك. وقوله; { فإذا قرأناه فاتبع قرآنه } إذا قرأه عليك جبريل. والقراءة والقرآن; مصدران، كما تقول; راجح بين الرجحان والرجوح، والمعرفة والعرفان، والطواف والطوفان ( بتحريك الطاء والواو ) . ا هـ . وفي شرح الزوزني; العيطل; الطويلة العنق من النوق. والأدماء; البيضاء منها. والأدمة; البياض في الإبل. والبكر; الناقة التي حملت بطنا واحدا، ويروى بفتح الباء، وهو الفتى من الإبل، وكسر الباء أعلى الروايتين. والهجان الأبيض الخالص البياض. يستوي فيه الواحد والتثنية والجمع، وينعت به الإبل والرجال وغيرهما. ولم تقرأ جنينا; أي لم تضم في رحمها ولدا.ا هـ .
{ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } أي: إذا كمل جبريل قراءة ما أوحى الله إليك، فحينئذ اتبع ما قرأه وأقرأه.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة