لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمٰنِكُمْ ۚ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةًۢ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ
لَا تَعۡتَذِرُوۡا قَدۡ كَفَرۡتُمۡ بَعۡدَ اِيۡمَانِكُمۡ ؕ اِنۡ نَّـعۡفُ عَنۡ طَآٮِٕفَةٍ مِّنۡكُمۡ نُـعَذِّبۡ طَآٮِٕفَةً ۢ بِاَنَّهُمۡ كَانُوۡا مُجۡرِمِيۡنَ
تفسير ميسر:
لا تعتذروا -معشر المنافقين- فلا جدوى مِن اعتذاركم، قد كفرتم بهذا المقال الذي استهزأتم به، إن نعف عن جماعة منكم طلبت العفو وأخلصت في توبتها، نعذب جماعة أخرى بسبب إجرامهم بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة.
وقوله " لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم " أي بهذا المقال الذي استهزأتم به إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة أي لا يعفى عن جميعكم ولا بد من عذاب بعضكم بأنهم كانوا مجرمين أي مجرمين بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة.
قوله تعالى لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين [ ص; 124 ] قوله تعالى لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم على جهة التوبيخ ، كأنه يقول ; لا تفعلوا ما لا ينفع ، ثم حكم عليهم بالكفر وعدم الاعتذار من الذنب . واعتذر بمعنى أعذر ، أي صار ذا عذر . قال لبيد ;ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذروالاعتذار ; محو أثر الموجدة ، يقال ; اعتذرت المنازل درست . والاعتذار الدروس . قال الشاعر ;أم كنت تعرف آيات فقد جعلت أطلال إلفك بالودكاء تعتذروقال ابن الأعرابي ; أصله القطع . واعتذرت إليه قطعت ما في قلبه من الموجدة . ومنه عذرة الغلام وهو ما يقطع منه عند الختان . ومنه عذرة الجارية لأنه يقطع خاتم عذرتها .إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين قيل ; كانوا ثلاثة نفر ، هزئ اثنان وضحك واحد ، فالمعفو عنه هو الذي ضحك ولم يتكلم . والطائفة الجماعة ، ويقال للواحد على معنى نفس طائفة . وقال ابن الأنباري ; يطلق لفظ الجمع على الواحد ، كقولك ; خرج فلان على البغال . قال ; ويجوز أن تكون الطائفة إذا أريد بها الواحد طائفا ، والهاء للمبالغة . واختلف في اسم هذا الرجل الذي عفي عنه على أقوال . فقيل ; مخشي بن حمير ، قاله ابن إسحاق . وقال ابن هشام ; ويقال فيه ابن مخشي . وقال خليفة بن خياط في تاريخه ; اسمه مخاشن بن حمير . وذكر ابن عبد البر مخاشن الحميري وذكر السهيلي مخشن بن خمير . وذكر جميعهم أنه استشهد باليمامة ، وكان تاب وسمي عبد الرحمن ، فدعا الله أن يقتل شهيدا ولا يعلم بقبره . واختلف هل كان منافقا أو مسلما . فقيل ; كان منافقا ثم تاب توبة نصوحا . وقيل ; كان مسلما ، إلا أنه سمع المنافقين فضحك لهم ولم ينكر عليهم .
القول في تأويل قوله ; لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; قل لهؤلاء الذين وصفت لك صفتهم; (لا تعتذروا)، بالباطل, فتقولوا; (كنا نخوض ونلعب) =(قد كفرتم)، يقول; قد جحدتم الحق بقولكم ما قلتم في رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به (18) =(بعد إيمانكم)، يقول; بعد تصديقكم به وإقراركم به =(إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة). (19)* * *وذكر أنه عُنِي; بـ " الطائفة "، في هذا الموضع، رجلٌ واحد. (20)وكان ابن إسحاق يقول فيما;-16919- حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال; كان الذي عُفِي عنه، فيما بلغني مَخْشِيّ بن حُمَيِّر الأشجعي، (21) حليف بني سلمة, وذلك أنه أنكر منهم بعض ما سمع. (22)16920- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حبان, عن موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب; (إن نعف عن طائفة منكم)، قال; " طائفة "، رجل.* * *واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.فقال بعضهم; معناه; (إن نعف عن طائفة منكم)، بإنكاره ما أنكر عليكم من قبل الكفر =(نعذب طائفة)، بكفره واستهزائه بآيات الله ورسوله.* ذكر من قال ذلك;16922- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر قال، قال بعضهم; كان رجل منهم لم يمالئهم في الحديث, يسير مجانبًا لهم, (23) فنـزلت; (إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة)، فسُمِّي " طائفةً" وهو واحدٌ.* * *وقال آخرون; بل معنى ذلك. إن تتب طائفة منكم فيعفو الله عنه, يعذب الله طائفة منكم بترك التوبة.* * *وأما قوله; (إنهم كانوا مجرمين)، فإن معناه; نعذب طائفة منهم باكتسابهم الجرم, وهو الكفر بالله, وطعنهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم. (24)---------------------الهوامش ;(18) في المخطوطة ; " يقول ; لحم الحق " ، وهي لا تقرأ ، والذي في المطبوعة مقارب للصواب ، فتركته على حاله .(19) انظر تفسير "العفو" فيما سلف من فهارس اللغة (عفا).(20) انظر تفسير "الطائفة" فيما سلف 13 ; 398، تعليق ; 1 ، والمراجع هناك.(21) في سيرة ابن هشام في هذا الموضع "مخشن بن حمير" ، وقد أشار ابن هشام إلى هذا الاختلاف فيما سلف من سيرته، ابن هشام 4 ; 168 . ولكني أثبت ما في المخطوطة.(22) الأثر ; 16919 - سيرة ابن هشام 4 ; 195 ، وهو تابع الأثر السالف رقم ; 16910.(23) في المطبوعة ; "فيسير"، بالفاء، أثبت ما في المخطوطة.(24) انظر تفسير " الإجرام " فيما سلف 13 ; 408 ، تعليق ; 2 ، والمراجع هناك.
تفسير الآيتين 65 و 66 :ـ {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} عما قالوه من الطعن في المسلمين وفي دينهم، يقول طائفة منهم في غزوة تبوك {ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ـ يعنون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ـ أرغب بطونا، [وأكذب ألسنا] وأجبن عند اللقاء} ونحو ذلك. ولما بلغهم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، قد علم بكلامهم، جاءوا يعتذرون إليه ويقولون: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} أي: نتكلم بكلام لا قصد لنا به، ولا قصدنا الطعن والعيب. قال اللّه تعالى ـ مبينا عدم عذرهم وكذبهم في ذلك ـ : {قُلْ} لهم {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فإن الاستهزاء باللّه وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين لأن أصل الدين مبني على تعظيم اللّه، وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل، ومناقض له أشد المناقضة. ولهذا لما جاءوا إلى الرسول يعتذرون بهذه المقالة، والرسول لا يزيدهم على قوله {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} وقوله {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ} لتوبتهم واستغفارهم وندمهم، {نُعَذِّبْ طَائِفَةً} منكم {بِأَنَّهُمْ} بسبب أنهم {كَانُوا مُجْرِمِينَ} مقيمين على كفرهم ونفاقهم. وفي هذه الآيات دليل على أن من أسر سريرة، خصوصا السريرة التي يمكر فيها بدينه، ويستهزئ به وبآياته ورسوله، فإن اللّه تعالى يظهرها ويفضح صاحبها، ويعاقبه أشد العقوبة. وأن من استهزأ بشيء من كتاب اللّه أو سنة رسوله الثابتة عنه، أو سخر بذلك، أو تنقصه، أو استهزأ بالرسول أو تنقصه، فإنه كافر باللّه العظيم، وأن التوبة مقبولة من كل ذنب، وإن كان عظيمًا.
(لا) ناهية جازمة
(تعتذروا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعلـ (قد) حرف تحقيق
(كفرتم) فعل ماض مبنيّ على السكون وفاعله
(بعد) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (كفرتم) ،(إيمان) مضاف إليه مجرور و (كم) ضمير مضاف إليه
(إن) حرف شرط جازم
(نعف) مضارع مجزوم فعل الشرط وعلامة الجزم حذف حرف العلّة، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن
(عن طائفة) جارّ ومجرور متعلّق بـ (نعف) ،
(من) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بنعت لـ (الطائفة
(نعذّب) مضارع مجزوم جواب الشرط والفاعل نحن
(طائفة) مفعول به منصوبـ (الباء) حرف جرّ
(أنّ) حرف مشبّه بالفعل و (هم) ضمير اسم أنّ
(كانوا) ماض ناقص ... والواو اسم كان
(مجرمين) خبر كان منصوب وعلامة النصب الياء.
والمصدر المؤوّلـ (أنّهم كانوا ... ) في محلّ جرّ بالباء متعلّق بـ (نعذّب) .
جملة: «لا تعتذروا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «قد كفرتم» لا محلّ لها تعليليّة أو استئناف بيانيّ.
وجملة: «إن نعف ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «نعذّب ... » لا محلّ لها جواب الشرط غير مقترنة بالفاء.
وجملة: «كانوا ... » في محلّ رفع خبر أنّ.