وَقَالَ لِفِتْيٰنِهِ اجْعَلُوا بِضٰعَتَهُمْ فِى رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا انقَلَبُوٓا إِلٰىٓ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
وَقَالَ لِفِتۡيٰنِهِ اجۡعَلُوۡا بِضَاعَتَهُمۡ فِىۡ رِحَالِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَعۡرِفُوۡنَهَاۤ اِذَا انْقَلَبُوۡۤا اِلٰٓى اَهۡلِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُوۡنَ
تفسير ميسر:
وقال يوسف لغلمانه; اجعلوا ثمن ما أخذوه في أمتعتهم سرًا؛ رجاء أن يعرفوه إذا رجعوا إلى أهلهم، ويقدِّروا إكرامنا لهم؛ ليرجعوا طمعًا في عطائنا.
وقال لفتيانه " أي غلمانه " اجعلوا بضاعتهم " أي التي قدموا بها ليمتاروا عوضا عنها " في رحالهم " أي في أمتعتهم من حيث لا يشعرون " لعلهم يرجعون " بها قيل خشي يوسف عليه السلام أن لا يكون عندهم بضاعة أخرى يرجعون للميرة بها وقيل تذمم أن يأخذ من أبيه وإخوته عوضا عن الطعام وقيل أراد أن يردهم إذا وجدوها في متاعهم تحرجا وتورعا لأنه يعلم ذلك منهم والله أعلم.
قوله تعالى ; وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون قوله تعالى ; " وقال لفتيته " هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم ; وهي اختيار أبي حاتم والنحاس وغيرهما . وقرأ سائر الكوفيين " لفتيانه " وهو اختيار أبي عبيد ; وقال ; هو في مصحف عبد الله كذلك . قال الثعلبي ; وهما لغتان جيدتان ; مثل الصبيان والصبية قال النحاس ; " لفتيانه " مخالف للسواد الأعظم ; لأنه في السواد لا ألف فيه ولا نون ، ولا يترك السواد المجتمع عليه لهذا الإسناد المنقطع ; وأيضا فإن فتية أشبه من فتيان ; لأن فتية عند العرب لأقل العدد ، والقليل بأن يجعلوا البضاعة في الرحال أشبه . وكان هؤلاء الفتية يسوون جهازهم ، ولهذا أمكنهم جعل بضاعتهم في رحالهم . ويجوز أن يكونوا أحرارا ، وكانوا أعوانا له ، و " بضاعتهم " أثمان ما اشتروه من الطعام . وقيل ; كانت دراهم ودنانير . وقال ابن عباس ; النعال والأدم ومتاع المسافر ، ويسمى رحلا ; قال ابن الأنباري ; يقال للوعاء رحل ، وللبيت رحل . وقال ; لعلهم يعرفونها لجواز ألا تسلم في الطريق . وقيل ; إنما فعل ذلك ليرجعوا إذا وجدوا ذلك ; لعلمه أنهم لا يقبلون الطعام إلا بثمنه . قيل ; ليستعينوا بذلك على الرجوع لشراء الطعام . وقيل ; استقبح أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمن الطعام . وقيل ; ليروا فضله ، ويرغبوا في الرجوع إليه .
وقوله; (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) ، يقول تعالى ذكره; وقال يوسف ، " لفتيانه " , وهم غلمانه، (17) كما;-19470- حدثنا بشر , قال; حدثنا يزيد , قال; حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله; (وقال لفتيانه) ، أي; لغلمانه.* * *(اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) ، يقول; اجعلوا أثمان الطعام التي أخذتموها منهم (18) ، " في رحالهم ".و " الرحال "، جمع " رَحْل " , وذلك جمع الكثير , فأما القليل من الجمع منه فهو; " أرْحُل " , وذلك جمع ما بين الثلاثة إلى العشرة .* * *وبنحو الذي قلنا في معنى " البضاعة " ، قال أهل التأويل .*ذكر من قال ذلك;19471- حدثنا بشر قال; حدثنا يزيد , قال، حدثنا سعيد , عن قتادة; (اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) ; أي; أوراقهم (19)19472- حدثنا ابن حميد , قال; حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال; ثم أمر ببضاعتهم التي أعطاهم بها ما أعطاهم من الطعام , فجعلت في رحالهم وهم لا يعلمون.19473- حدثنا ابن وكيع , قال; حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي قال; وقال لفتيته وهو يكيل لهم; " اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون " إليّ.* * *فإن قال قائل; ولأيّةِ علة أمر يوسف فتيانه أن يجعلوا بضاعة إخوته في رحالهم؟قيل; يحتمل ذلك أوجهًا;أحدها; أن يكون خَشي أن لا يكون عند أبيه دراهم , إذ كانت السَّنة سنة جَدْب وقَحْط , فيُضِرُّ أخذ ذلك منهم به، وأحبّ أن يرجع إليه .، أو; أرادَ أن يتسع بها أبوه وإخوته، مع [قلّة] حاجتهم إليه , (20) فردَّه عليهم من حيث لا يعلمون سبب ردّه ، تكرمًا وتفضُّلا.والثالث; وهو أن يكون أراد بذلك أن لا يخلفوه الوعد في الرجوع , إذا وجدوا في رحالهم ثمن طعام قد قبضوه وملَكهُ عليهم غيرهم، عوضًا من طعامه , (21) ويتحرّجوا من إمساكهم ثمن طعام قد قبضوه حتى يؤدُّوه على صاحبه , فيكون ذلك أدعى لهم إلى العود إليه .----------------------الهوامش;(17) انظر تفسير" الفتى" فيما سلف ص ; 94 ، تعليق ; 1 ، والمراجع هناك .(18) انظر تفسير" البضاعة" فيما سلف ص 4 - 7(19) " الأوراق" جمع" ورق" ( بفتح فكسر ) ، و" ورق" ( بفتحتين ) ، وهو الفضة ، أو المال كله ما كان .(20) في المخطوطة ;" وأراد" ، والصواب" أو" كما في المطبوعة . والذي بين القوسين ليس في المخطوطة أيضًا ، فزدته استظهارًا ، لحاجة المعنى إليه .(21) في المطبوعة ;" عوضًا من طعامهم" ، وإنما فعل ذلك لأن معنى الكلام خفي عليه .وهو كلام بلا شك خفي المعنى ، ومعناه ; أن هذا الثمن قد ملكه غيرهم ، وغلبهم على ملكه من أعطاهم هذا الطعام عوضًا عن الثمن .
{ وَقَالَ } يوسف { لِفِتْيَانِهِ } الذين في خدمته: { اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ } أي: الثمن الذي اشتروا به من الميرة. { فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا } أي: بضاعتهم إذا رأوها بعد ذلك في رحالهم، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } لأجل التحرج من أخذها على ما قيل، والظاهر أنه أراد أن يرغبهم في إحسانه إليهم بالكيل لهم كيلا وافيا، ثم إعادة بضاعتهم إليهم على وجه لا يحسون بها، ولا يشعرون لما يأتي، فإن الإحسان يوجب للإنسان تمام الوفاء للمحسن.
(الواو) استئنافية
(قال) فعل ماض، والفاعل هو (لفتيانه) جار ومجرور متعلق بـ (قال) ، و (الهاء) مضاف إليه
(اجعلوا) فعل أمر مبني على حذف النون ... والواو فاعلـ (بضاعتهم) مفعول به منصوب ... و (هم) ضمير متصل مضاف إليه
(في رحالهم) جار ومجرور متعلق بـ (اجعلوا) ، و (هم) مثل الأخير
(لعل) حرف مشبه بالفعل للترجي- ناسخ- و (هم) ضمير في محل نصب اسم لعلـ (يعرفون) مضارع مرفوع ... والواو فاعل و (ها) ضمير مفعول به
(إذا) ظرف للزمن المستقبل متضمن معنى الشرط في محل نصب متعلّق بمضمون الجوابـ (انقلبوا) مثل قالوا ،
(إلى أهلهم) جارّ ومجرور متعلّق بـ (انقلبوا) .. و (هم) مضاف إليه
(لعلّهم يرجعون) مثل لعلّهم يعرفون.
جملة: «قال ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «اجعلوا ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «لعلّهم يعرفونها ... » لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «يعرفونها ... » في محلّ رفع خبر لعلّ.
وجملة: «انقلبوا ... » في محلّ جرّ مضاف إليه ... وجواب الشرط محذوف. دلّ عليه ما قبله أي: إذا انقلبوا ... فلعلّهم يعرفونها.
وجملة: «لعلّهم يرجعون ... » لا محلّ لها استئناف في حيّز القول.
وجملة: «يرجعون ... » في محلّ رفع خبر
(لعلّ) الثاني.
(الفاء) عاطفة
(لمّا) مرّ إعرابه ،
(رجعوا) مثل قالوا ،
(إلى أبيهم) جارّ ومجرور متعلّق بـ (رجعوا) وعلامة الجرّ الياء، و (هم) مضاف إليه
(قالوا) مثل السابق ،
(يا) أداة نداء
(أبانا) منادى مضاف منصوب وعلامة النصب الألف ... و (نا) مضاف إليه
(منع) ماض مبنيّ للمجهولـ (من) حرف جرّ و (نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (منع)
(الكيل) نائب الفاعل مرفوع
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(أرسل) فعل أمر دعائيّ، والفاعل أنت
(معنا) ظرف منصوب متعلّق بحال من(أخانا) ... و (نا) مضاف إليه
(أخانا) مفعول به منصوب وعلامة النصب الألف ... و (نا) مثل الأخير
(نكتل) مضارع مجزوم جواب الطلب، والفاعل نحن
(الواو) حاليّه
(إنّا له لحافظون) مثل إنّا لفاعلون ، والجارّ متعلّق بـ (حافظون) .
وجملة: «رجعوا ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «قالوا ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «يا أبانا ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «منع منا الكيل ... » لا محلّ لها جواب النداء .
وجملة: «أرسل ... » في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي: إن رغبت في الكيل فأرسل.
وجملة: «نكتل ... » لا محلّ لها جواب شرط مقدّر غير مقترنة بالفاء أي: إن ترسل معنا أخانا نكتل ...وجملة: «إنّا له لحافظون ... » في محلّ نصب حال من فاعل نكتل .