نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِۦٓ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوٰىٓ إِذْ يَقُولُ الظّٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا
نَحۡنُ اَعۡلَمُ بِمَا يَسۡتَمِعُوۡنَ بِهٖۤ اِذۡ يَسۡتَمِعُوۡنَ اِلَيۡكَ وَاِذۡ هُمۡ نَجۡوٰٓى اِذۡ يَقُوۡلُ الظّٰلِمُوۡنَ اِنۡ تَتَّبِعُوۡنَ اِلَّا رَجُلًا مَّسۡحُوۡرًا
تفسير ميسر:
نحن أعلم بالذي يستمعه رؤساء قريش، إذ يستمعون إليك، ومقاصدهم سيئة، فليس استماعهم لأجل الاسترشاد وقَبول الحق، ونعلم تَناجيهم حين يقولون; ما تتبعون إلا رجلا أصابه السحر فاختلط عقله.
يخبر تعالى نبيه محمدا بما يتناجى به رؤساء كفار قريش حين جاءوا يستمعون قراءته صلى الله عليه وسلم سرا من قومهم بما قالوا من أنه رجل مسحور من السحر على المشهور أو من السحر وهو الرئة أي إن تتبعون إن اتبعتم محمدا إلا بشرا يأكل كما قال الشاعر; فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر وقال الراجز; يسحر بالطعام وبالشراب. أي يغذى وقد صوب هذا القول ابن جرير وفيه نظر لأنهم أرادوا ههنا أنه مسحور له رئي يأتيه بما استمعوه من الكلام الذي يتلوه ومنهم من قال شاعر ومنهم من قال كاهن ومنهم من قال مجنون ومنهم من قال ساحر.
قوله تعالى ; نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا .قوله تعالى ; نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك قيل ; الباء زائدة في قوله به أي يستمعونه . وكانوا يستمعون من النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن ثم ينفرون فيقولون ; هو ساحر ومسحور ; كما أخبر الله - تعالى - به عنهم ; قاله قتادة وغيره .وإذ هم نجوى أي متناجون في أمرك . قال قتادة ; وكانت نجواهم قولهم إنه مجنون وإنه ساحر وإنه يأتي بأساطير الأولين ، وغير ذلك . وقيل ; نزلت حين دعا عتبة أشراف قريش إلى طعام صنعه لهم ، فدخل عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى الله ; فتناجوا ; يقولون ساحر ومجنون . وقيل ; أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا أن يتخذ طعاما ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين ; ففعل ذلك علي ودخل عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى التوحيد ، وقال ; قولوا لا إله إلا الله لتطيعكم العرب وتدين لكم العجم فأبوا ، وكانوا يستمعون من النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقولون بينهم متناجين هو ; [ ص; 245 ] ساحر وهو مسحور ; فنزلت الآية . وقال الزجاج ; النجوى اسم للمصدر ; أي وإذ هم ذو نجوى ، أي سرار .إذ يقول الظالمون أبو جهل والوليد بن المغيرة وأمثالهما .إن تتبعون إلا رجلا مسحورا أي مطبوبا قد خبله السحر فاختلط عليه أمره ، يقولون ذلك لينفروا عنه الناس . وقال مجاهد ; مسحورا أي مخدوعا ; مثل قوله ; فأنى تسحرون أي من أين تخدعون . وقال أبو عبيدة ; مسحورا معناه أن له سحرا ، أي رئة ، فهو لا يستغني عن الطعام والشراب ; فهو مثلكم وليس بملك . وتقول العرب للجبان ; قد انتفخ سحره . ولكل من أكل من آدمي وغيره أو شرب مسحور ومسحر . قال لبيد ;فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحروقال امرؤ القيس ;أرينا موضعين لأمر غيب ونسحر بالطعام وبالشرابأي نغذى ونعلل . وفي الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت ; من هذه التي تساميني من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وقد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين سحري ونحري .
يقول تعالى ذكره; نحن أعلم يا محمد بما يستمع به هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة من مشركي قومك، إذ يستمعون إليك وأنت تقرأ كتاب الله ( وَإِذْ هُمْ نَجْوَى ). وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول; النجوى ; فعلهم، فجعلهم هم النجوى، كما يقول; هم قوم رضا، وإنما رضا; فعلهم. وقوله ( إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا ) يقول; حين يقول المشركون بالله ما تتبعون إلا رجلا مسحورا. وعنى فيما ذُكِر بالنجوى; الذين تشاوروا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار النَّدوة.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) قال; هي مثل قيل الوليد بن المُغيرة ومن معه في دار الندوة.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ ).... الآية ، ونجواهم أن زعموا أنه مجنون، وأنه ساحر، وقالوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ .وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يذهب بقوله ( إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا ) إلى معنى; ما تتبعون إلا رجلا له سَحْر; أي له رئة، والعرب تسمي الرئة سَحْرا، والمسحَّر من قولهم للرجل إذا جبن; قد انتفخ سَحْره، وكذلك يقال لكل ما أكَلَ أو شرب من آدميّ وغيره; مَسحور ومُسَحَّر، كما قال لبيد;فــإنْ تَسْــأَلِينَا فِيـم نَحْـنُ فإنَّنَـاعَصَـافِيرُ مِـنْ هَـذَا الأنـامِ المُسَحَّر (4)وقال آخرون;ونُسحَر بالطعام وبالشراب (5)أي نغذّى بهما، فكأن معناه عنده كان; إن تتبعون إلا رجلا له رئة، يأكل الطعام، ويشرب الشراب، لا مَلَكا لا حاجة به إلى الطعام والشراب، والذي قال من ذلك غير بعيد من الصواب.-----------------------الهوامش ;(4) البيت في ( ديوان لبيد ، رواية الطوسي ، طبع فينا سنة 1880 ص 81 ) وفي شرحه ; عصافير ; صغار ضعاف . أي نحن أولاد قوم قد ذهبوا ومسحر معلل بالطعام والشراب . وقوله ; " إنما أنت من المسحرين " ; من هذا . واستشهد به المؤلف على هذا قال ; والمسحر ; من قولهم للرجل إذا جبن ; قد انتفخ سحره . وكذلك يقال لكل ما أكل وشرب من آدمي وغيره ; مسحور ومسحر كما قال لبيد ; " فإن تسألينا ... " البيت . و (في اللسان ; سحر ) ; وقول لبيد ; " فإن تسألينا ... إلخ البيت ، يكون على الوجهين ، وقوله تعالى ; " إنما أنت من المسحرين " يكون من التغذية والخديعة .(5) هذا عجز بيت من قول امرئ القيس بن حجر الكندي;أرَانــا مُــوضِعِينَ لأَمْــرِ غَيْـبٍونُسْـــحَرُ بالطَّعــامِ وبالشَّــرَابِعَصَـــــافِيرٌ وذِبَّــــانٌ ودُودٌوأجْــرأ مِــنْ مُجَلِّحَــةِ الّذئـابِقال صاحب اللسان بعد أن أورد البيتين ; ( سحر ) أي نغذى أو نخدع . قال ابن امرئ بري; وقوله ; " موضعين " معناه ; مسرعين . وقوله " لأمر غيب " ; يريد الموت ، وأنه قد غيب عنا وقته ، ونحن نلهى عنه بالطعام والشراب. والسحر; الخديعة. وفي "مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 79 في شرح البيت الأول من البيتين ; موضعين ; مسرعين . لأمر غيب ; يريد الموت أو المستقبل المجهول . ويروى ; لحتم غيب . ونسحر ; نلهى ، أو نغذى . يقول ; أرانا في هذه الدنيا مسرعين للموت الذي غيب عنا وقته ، أو لمستقبل مجهول ، لا ندري من أمره شيئا ، ونحن نعلل عنه بالطعام وبالشراب . يريد ; كيف يستلذ الطعام والشراب من هو جاد إلى شرب كأس المنية . وفي شرح البيت الثاني ; العصافير ; ضعاف الطير ؛ والمجلح ; الجريء ، والأنثى مجلحة . يقول ; نحن أشبه بالعصافير والذباب والدود في ضعفنا ، ولكننا أجرأ على الشر ، وارتكاب الآثام من الذئاب الضارية .
{ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ } أي: إنما منعناهم من الانتفاع عند سماع القرآن لأننا نعلم أن مقاصدهم سيئة يريدون أن يعثروا على أقل شيء ليقدحوا به، وليس استماعهم لأجل الاسترشاد وقبول الحق وإنما هم متعمدون على عدم اتباعه، ومن كان بهذه الحالة لم يفده الاستماع شيئا ولهذا قال: { إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى } أي: متناجين { إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ } في مناجاتهم: { إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } فإذا كانت هذه مناجاتهم الظالمة فيما بينهم وقد بنوها على أنه مسحور فهم جازمون أنهم غير معتبرين لما قال، وأنه يهذي لا يدري ما يقول.
(نحن) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(أعلم) خبر مرفوع
(الباء) حرف جرّ و (ما) اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّق بـ (أعلم)
(يستمعون) مضارع مرفوع.. و (الواو) فاعلـ (الباء) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (يستمعون) ،
(إذ) ظرف للزمن الماضي مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بأعلم
(يستمعون إليك) مثل يستمعون به، و (الواو) عاطفة
(إذ) مثل الأول ومعطوف عليه
(هم نجوى) مثل نحن أعلم، وعلامة رفع الخبر الضمّة المقدّرة على الألف ،
(إذ) مثل الأول وهو بدل من إذ هم..
(يقول) مضارع مرفوع
(الظالمون) فاعل مرفوع، وعلامة الرفع الواو (إن) حرف نفي(تتّبعون) مثل يستمعون
(إلّا) للحصر
(رجلا) مفعول به منصوبـ (مسحورا) نعت لـ (رجلا) منصوب.
جملة: «نحن أعلم ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «يستمعون
(الأولى) » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) وجملة: «يستمعون
(الثانية) » في محلّ بإضافة
(إذ) إليها وجملة: «هم نجوى ... » في محلّ جر بإضافة
(إذ) الثاني إليها وجملة: «يقول الظالمون ... » في محلّ جرّ بإضافة
(إذ) الثالث إليها وجملة: «تتّبعون ... » في محلّ نصب مقول القول