ذٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتٰبَ بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِى الْكِتٰبِ لَفِى شِقَاقٍۢ بَعِيدٍ
ذٰلِكَ بِاَنَّ اللّٰهَ نَزَّلَ الۡکِتٰبَ بِالۡحَـقِّؕ وَاِنَّ الَّذِيۡنَ اخۡتَلَفُوۡا فِى الۡكِتٰبِ لَفِىۡ شِقَاقٍۢ بَعِيۡدٍ
تفسير ميسر:
ذلك العذاب الذي استحقوه بسبب أن الله تعالى نزَّل كتبه على رسله مشتملة على الحق المبين، فكفروا به. وإن الذين اختلفوا في الكتاب فأمنوا ببعضه وكفروا ببعضه، لفي منازعة ومفارقة بعيدة عن الرشد والصواب.
قوله تعالى ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق أي إنما استحقوا هذا العذاب الشديد لأن الله تعالى أنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء قبله كتبه بتحقيق الحق وإبطال الباطل وهؤلاء اتخذوا آيات الله هزوا فكتابهم يأمرهم بإظهار العلم ونشره فخالفوه وكذبوه وهذا الرسول الخاتم يدعوهم إلى الله تعالى ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وهم يكذبونه ويخالفونه ويجحدونه ويكتمون صفته فاستهزءوا بآيات الله المنزلة على رسله فلهذا استحقوا العذاب والنكال ولهذا قال "ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد".
قوله تعالى ; ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد قوله تعالى ; ذلك ذلك في موضع رفع ، وهو إشارة إلى الحكم ، كأنه قال ; ذلك الحكم بالنار ، وقال الزجاج ; تقديره الأمر ذلك ، أو ذلك الأمر ، أو ذلك العذاب لهم . قال الأخفش ; وخبر ذلك مضمر ، معناه ذلك معلوم لهم ، وقيل ; محله نصب ، معناه فعلنا ذلك بهم .بأن الله نزل الكتاب يعني القرآن في هذا الموضع بالحق أي بالصدق . وقيل بالحجة . وإن الذين اختلفوا في الكتاب يعني التوراة ، فادعى النصارى أن فيها صفة عيسى ، وأنكر اليهود صفته ، وقيل ; خالفوا آباءهم وسلفهم في التمسك بها . وقيل ; خالفوا ما في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم واختلفوا فيها ، وقيل ; المراد القرآن ، والذين اختلفوا كفار قريش ، يقول بعضهم ; هو سحر ، وبعضهم يقول ; أساطير الأولين ، وبعضهم ; مفترى ، إلى غير ذلك . وقد تقدم القول في معنى الشقاق ، والحمد لله .
القول في تأويل قوله تعالى ; ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَـزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)قال أبو جعفر; أما قوله; " ذلك بأن الله نـزل الكتاب بالحق "، فإنه اختلف في المعنيِّ ب " ذلك ".* * *فقال بعضهم; معنيُّ" ذلك "، فعلُهم هذا الذي يفعلون = من جراءتهم على عذاب النار، في مخالفتهم أمر الله، وكتمانهم الناسَ ما أنـزل الله في كتابه، وأمرَهم ببيانه لهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر دينه = من أجل أن الله تبارك تعالى " نـزل الكتاب بالحق "، وتنـزيله الكتاب بالحق هو خبرُه عنهم في قوله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [سورة البقرة; 6-7] فهم -مع ما أخبر الله عنهم من أنهم لا يؤمنون- لا يكون منهم غيرُ اشتراء الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة.وقال آخرون; معناه; " ذلك " معلومٌ لهم، بأن الله نـزل الكتاب بالحق، لأنّا قد أخبرنا في الكتاب أنّ ذلك لهم، والكتابُ حَق.كأن قائلي هذا القول كان تأويل الآية عندهم; ذلك العذاب = الذي قال الله تعالى ذكره، فما أصبرهم عليه = معلومٌ أنه لهم. لأن الله قد أخبر في مواضع من تنـزيله أن النار للكافرين, وتنـزيله حق, فالخبر عن " ذلك " عندهم مُضمر.*وقال آخرون; معنى " ذلك "، أن الله وصف أهل النار، فقال; فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ، ثم قال; هذا العذاب بكفرهم. و " هذا " هاهنا عندهم، هي التي يجوز مكانها " ذلك "، (42) كأنه قال; فعلنا ذلك بأن الله نـزل الكتاب بالحق فكفروا به. قال; فيكون " ذلك " -إذا كان ذلك معناه- نصبًا، ويكون رفعًا بالباء.* * *قال أبو جعفر; وأولى الأقوال بتأويل الآية عندي; أن الله تعالى ذكره أشار بقوله; " ذلك "، إلى جميع ما حواه قوله; إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ ، إلى قوله; " ذلك بأن الله نـزل الكتاب بالحق "، من خبره عن أفعال أحبار اليهود، وذكره ما أعد لهم تعالى ذكره من العقاب على ذلك, فقال; هذا الذي فعلته هؤلاء الأحبارُ من اليهود = بكتمانهم الناسَ ما كتموا من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته مع علمهم به، طلبًا منهم لعرَض من الدنيا خسيس -وبخلافهم أمري وطاعتي= وذلك -من تركي تطهيرَهم وتزكيتهم وتكليمهم, وإعدادي لهم العذاب الأليم- بأني أنـزلت كتابي بالحق، فكفروا به واختلفوا فيه.فيكون في" ذلك " حينئذ وجهان من الإعراب; رفعٌ ونصب. والرفع ب " الباء ", والنصب بمعنى; فعلت ذلك بأني أنـزلت كتابي بالحق، فكفروا به واختلفوا فيه. وترك ذكر " فكفروا به واختلفوا "، اجتزاءً بدلالة ما ذكر من الكلام عليه.* * *وأما قوله; " وإنّ الذينَ اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد "، يعني بذلك اليهودَ والنصارى. اختلفوا في كتاب الله، فكفرت اليهودُ بما قصَّ الله فيه من قَصَص عيسى ابن مريم وأمه. وصَدقت النصارى ببعض ذلك، وكفروا ببعضه, وكفروا جميعًا بما أنـزل الله فيه من الأمر بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم. فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; إن هؤلاء الذين اختلفوا فيما أنـزلت إليك يا محمد لفي منازعة ومفارقة للحق بعيدة من الرشد والصواب, كما قال الله تعالى ذكره; فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ [سورة البقرة; 137] كما;2512- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي ; " وإنّ الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد "، يقول; هم اليهود والنصارى. يقول; هم في عَداوة بعيدة. وقد بَينتُ معنى " الشقاق "، فيما مضى. (43)* * *---------------------------الهوامش ;(42) انظر ما سلف 1 ; 225-227 في بيان"ذلك" ، و"هذا" .(43) انظر ما سلف في هذا الجزء 3 ; 115 ، 116 .
{ ذَلِكَ } المذكور, وهو مجازاته بالعدل, ومنعه أسباب الهداية, ممن أباها واختار سواها. { بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } ومن الحق, مجازاة المحسن بإحسانه, والمسيء بإساءته. وأيضا ففي قوله: { نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } ما يدل على أن الله أنزله لهداية خلقه, وتبيين الحق من الباطل, والهدى من الضلال، فمن صرفه عن مقصوده, فهو حقيق بأن يجازى بأعظم العقوبة. { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } أي: وإن الذين اختلفوا في الكتاب, فآمنوا ببعضه, وكفروا ببعضه، والذين حرفوه وصرفوه على أهوائهم ومراداتهم { لَفِي شِقَاقٍ } أي: محادة، { بَعِيدٍ } عن الحق لأنهم قد خالفوا الكتاب الذي جاء بالحق الموجب للاتفاق وعدم التناقض، فمرج أمرهم, وكثر شقاقهم, وترتب على ذلك افتراقهم، بخلاف أهل الكتاب الذين آمنوا به, وحكموه في كل شيء, فإنهم اتفقوا وارتفقوا بالمحبة والاجتماع عليه. وقد تضمنت هذه الآيات, الوعيد للكاتمين لما أنزل الله, المؤثرين عليه, عرض الدنيا بالعذاب والسخط, وأن الله لا يطهرهم بالتوفيق, ولا بالمغفرة، وذكر السبب في ذلك بإيثارهم الضلالة على الهدى، فترتب على ذلك اختيار العذاب على المغفرة، ثم توجع لهم بشدة صبرهم على النار, لعملهم بالأسباب التي يعلمون أنها موصلة إليها، وأن الكتاب مشتمل على الحق الموجب للاتفاق عليه, وعدم الافتراق، وأن كل من خالفه, فهو في غاية البعد عن الحق, والمنازعة والمخاصمة, والله أعلم.
(ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ والإشارة إلى أكلهم النار لكتمانهم ما أنزل الله و (اللام) للبعد و (الكاف) للخطابـ (الباء) حرف جر
(أنّ) حرف مشبّه بالفعلـ (الله) لفظ الجلالة اسم أنّ منصوبـ (نزّل) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الكتاب) مفعول به منصوبـ (بالحقّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من الكتاب والمصدر المؤوّل من أنّ واسمها وخبرها في محلّ جرّ بالباء متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ
(ذا)
(الواو) استئنافيّة
(إنّ) مثل أنّ
(الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب اسم إن
(اختلفوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعلـ (في الكتاب) جارّ ومجرور متعلّق بـ (اختلفوا) ،
(اللام) هي المزحلقة تفيدالتوكيد
(في شقاق) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر إنّ
(بعيد) نعت لشقاق مجرور مثله جملة: «ذلك بأنّ الله ... » لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «نزّل ... » في محلّ رفع خبر أنّ وجملة: «إنّ الذين اختلفوا..» لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «اختلفوا» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين)