الرسم العثمانيأَنِ اقْذِفِيهِ فِى التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِى الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّى وَعَدُوٌّ لَّهُۥ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى وَلِتُصْنَعَ عَلٰى عَيْنِىٓ
الـرسـم الإمـلائـياَنِ اقۡذِفِيۡهِ فِى التَّابُوۡتِ فَاقۡذِفِيۡهِ فِى الۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ الۡيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَاۡخُذۡهُ عَدُوٌّ لِّىۡ وَعَدُوٌّ لَّهٗ ؕ وَاَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَـبَّةً مِّنِّىۡ وَلِتُصۡنَعَ عَلٰى عَيۡنِىۡ ۘ
تفسير ميسر:
وذلك حين ألهمْنا أمَّك; أن ضعي ابنك موسى بعد ولادته في التابوت، ثم اطرحيه في النيل، فسوف يلقيه النيل على الساحل، فيأخذه فرعون عدوي وعدوه. وألقيت عليك محبة مني فصرت بذلك محبوبًا بين العباد، ولِتربى على عيني وفي حفظي. وفي الآية إثبات صفة العين لله - سبحانه وتعالى - كما يليق بجلاله وكماله.
هذا إجابة من الله لرسوله موسى عليه السلام فيما سأل من ربه عز وجل وتذكير له بنعمه السالفة عليه فيما كان من أمر أمه حين كانت ترضعه وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيهاالغلمان فاتخذت له تابوتا فكانت ترضعه ثم تضعه فيه وترسله في البحر وهوالنيل وتمسكه إلى منزلها بحبل فذهبت مرة لتربط الحبل فانفلت منها وذهب به البحر فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كانت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها" فذهب به البحر إلى دار فرعون فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا" أي قدرا مقدورا من الله حيث كانوا هم يقتلون الغلمان من بني إسرائيل حذرا من وجود موسى فحكم الله وله السلطان العظيم والقدرة التامة أن لا يربى إلا على فراش فرعون ويغذى بطعامه وشرابه مع محبته وزوجته لهولهذا قال الله تعالى"يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني" أي عند عدوك جعلته يحبك قال سلمة بن كهيل وألقيت عليك محبة مني قال حببتك إلى عبادي ولتصنع على عيني قال أبو عمران الجونى تربى بعين الله وقال قتادة تغذى على عيني وقال معمر بن المثنى ولتصنع على عيني بحيث أرى وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يعني أجعله في بيت الملك ينعم ويترف وغذاؤه عندهم غذاء الملك فتلك الصنعة.
أن اقذفيه في التابوت قال مقاتل مؤمن آل فرعون هو الذي صنع التابوت ونجره وكان اسمه حزقيل . وكان التابوت من جميز .فاقذفيه في اليم أي اطرحيه في البحر ; نهر النيل . فاقذفيه قال الفراء ; فاقذفيه في اليم أمر وفيه معنى المجازاة . أي اقذفيه يلقه اليم . وكذا قوله ; اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم . يأخذه عدو لي وعدو له يعني فرعون ؛ فاتخذت تابوتا ، وجعلت فيه نطعا ، ووضعت فيه موسى ، وقيرت رأسه وخصاصه يعني شقوقه ثم ألقته في النيل ، وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون ، فساقه الله في ذلك النهر إلى دار فرعون . وروي أنها جعلت في التابوت قطنا محلوجا ، فوضعته فيه وقيرته وجصصته ، ثم ألقته في اليم . وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر كبير ، فبينا هو جالس على رأس بركة مع آسية ، إذا بالتابوت ، فأمر به فأخرج ، ففتح فإذا صبي أصبح الناس ، فأحبه عدو الله حبا شديدا لا يتمالك أن يصبر عنه . وظاهر القرآن يدل على أن البحر ألقاه بساحله وهو شاطئه ، فرأى فرعون التابوت بالساحل فأمر بأخذه . ويحتمل أن يكون إلقاء اليم بموضع من الساحل ، فيه فوهة نهر فرعون ، ثم أداه النهر إلى حيث البركة . والله أعلم .وقيل ; وجدته ابنة فرعون وكان بها برص ، فلما فتحت التابوت شفيت . وروي أنهم حين التقطوا التابوت عالجوا فتحه فلم يقدروا عليه ، وعالجوا كسره فأعياهم ، فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا فعالجته ففتحته ، فإذا صبي نوره بين عينيه ، وهو يمص إبهامه لبنا فأحبوه . وكانت لفرعون بنت برصاء ، وقال له الأطباء ; لا تبرأ إلا من قبل البحر يوجد فيه شبه إنسان دواؤها ريقه ؛ فلطخت البرصاء برصها بريقه فبرئت . وقيل ; لما نظرت إلى وجهه برئت . والله أعلم . وقيل ; وجدته جوار لامرأة فرعون ، فلما نظر إليه فرعون فرأى صبيا من أصبح الناس وجها ، فأحبه فرعون .وألقيت عليك محبة مني قال ابن عباس ; أحبه الله وحببه إلى خلقه . وقال ابن عطية ; جعل عليه مسحة من جمال لا يكاد يصبر عنه من رآه . وقال قتادة ; كانت في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلا أحبه وعشقه . وقال عكرمة ; المعنى جعلت فيك حسنا وملاحة فلا يراك أحد إلا أحبك . وقال الطبري ; المعنى ألقيت عليك رحمتي . وقال ابن زيد ; جعلت من رآك أحبك حتى أحبك فرعون فسلمت من شره ، وأحبتك آسية بنت مزاحم فتبنتك . ولتصنع على عيني قال ابن عباس ; يريد أن ذلك بعيني حيث جعلت في التابوت ، وحيث ألقي التابوت في البحر ، وحيث التقطك جواري امرأة فرعون ؛ فأردن أن يفتحن التابوت لينظرن ما فيه ، فقالت [ ص; 116 ] منهن واحدة ; لا تفتحنه حتى تأتين به سيدتكن فهو أحظى لكن عندها ، وأجدر بألا تتهمكن بأنكن وجدتن فيه شيئا فأخذتموه لأنفسكن . وكانت امرأة فرعون لا تشرب من الماء إلا ما استقينه أولئك الجواري فذهبن بالتابوت إليها مغلقا ، فلما فتحته رأت صبيا لم ير مثله قط ؛ وألقي عليها محبته فأخذته فدخلت به على فرعون ، فقالت له ; قرة عين لي ولك قال لها فرعون ; أما لك فنعم ، وأما لي فلا . فبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ; لو أن فرعون قال نعم هو قرة عين لي ولك لآمن وصدق فقالت ; هبه لي ولا تقتله ؛ فوهبه لها . وقيل ; ولتصنع على عيني أي تربى وتغذى على مرأى مني ؛ قاله قتادة . قال النحاس ; وذلك معروف في اللغة ؛ يقال ; صنعت الفرس وأصنعته إذا أحسنت القيام عليه . والمعنى ولتصنع على عيني فعلت ذلك . وقيل ; اللام متعلقة بما بعدها من قوله ; إذ تمشي أختك على التقديم والتأخير ف ( إذ ) ظرف لتصنع . وقيل ; الواو في ولتصنع زائدة . وقرأ ابن القعقاع ( ولتصنع ) بإسكان اللام على الأمر ، وظاهره للمخاطب والمأمور غائب . وقرأ أبو نهيك ( ولتصنع ) بفتح التاء . والمعنى ولتكون حركتك وتصرفك بمشيئتي وعلى عين مني . ذكره المهدوي .
القول في تأويل قوله تعالى ; أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي (39)يقول تعالى ذكره; ولقد مننا عليك يا موسى مرّة أخرى حين أوحينا إلى أمك، أن اقذفي ابنك موسى حين ولدتك في التابوت ( فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ) يعني باليم; النيل (فليلقه اليم بالساحل) يقول; فاقذفيه في اليم، يلقه اليم بالساحل، وهو جزاء أخرج مخرج الأمر، كأن اليم هو المأمور، كما قال جلّ ثناؤه; اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ يعني; اتبعوا سبيلنا نحمل عنكم خطاياكم، ففعلت ذلك أمه به فألقاه اليم بمَشرّعة آل فرعون.كما حدثنا ابن حميد، قال; ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال; لما ولدت موسى أمه أرضعته، حتى إذا أمر فرعون بقتل الولدان من سنته تلك عمدت إليه، فصنعت به ما أمرها الله تعالى، جعلته في تابوت صغير، ومهدت له فيه، ثم عمدت إلى النيل فقذفته فيه، وأصبح فرعون في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كلّ غداة، فبينا هو جالس، إذ مرّ النيل بالتابوت فقذف به وآسية ابنة مُزَاحم امرأته جالسة إلى جنبه، فقال; إن هذا لشيء في البحر، فأتوني به، فخرج إليه أعوانه حتى جاءوا به، ففتح التابوت فإذا فيه صبيّ في مهده، فألقى الله عليه محبته، وعطف عليه نفسه. وعنى جلّ ثناؤه بقوله (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) فرعون هو العدوّ، كان لله ولموسى.حدثنا موسى، قال; ثنا عمرو، قال; ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله ( فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ) وهو البحر، وهو النيل.واختلف أهل التأويل في معنى المحبة التي قال الله جلّ ثناؤه ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) فقال بعضهم; عنى بذلك أنه حببه إلى عباده.* ذكر من قال ذلك;حدثني الحسين بن عليّ الصدائي والعباس بن محمد الدوري، قالا ثنا حسين الجعفي عن موسى بن قبس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل، في قول الله ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) قال عباس; حببتك إلى عبادي، وقال الصُّدَاني; حببتك إلى خلقي.وقال آخرون; بل معنى ذلك; أي حسنت خلقك.* ذكر من قال ذلك;حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني إبراهيم بن مهدي، عن رجل، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، قوله ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) قال; حسنا وملاحة.قال أبو جعفر; والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك أن يقال; إن الله ألقى محبته على موسى، كما قال جلّ ثناؤه ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) فحببه إلى آسية امرأة فرعون، حتى تبنَّته وغذّته وربَّته، و إلى فرعون، حتى كفّ عنه عاديته وشرّه ، وقد قيل; إنما قيل; وألقيت عليك محبة مني، لأنه حببه إلى كل من رآه. ومعنى ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) حببتك إليهم، يقول الرجل لآخر إذا أحبه; ألقيت عليك رحمتي; أي محبتي.القول في تأويل قوله تعالى ; وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِياختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) فقال بعضهم; معناه; ولتغذى وتربى على محبتي وإرادتي.* ذكر من قال ذلك;حدثنا الحسن بن يحيى، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; هو غذاؤه، ولتغذى على عيني.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) قال; جعله في بيت الملك ينعم ويترف غذاؤه عندهم غذاء الملك، فتلك الصنعة.وقال آخرون; بل معنى ذلك; وأنت بعيني في أحوالك كلها.* ذكر من قال ذلك;حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) قال; أنت بعيني إذ جعلتك أمك في التابوت، ثم في البحر، و ( إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ ). وقرأ ابن نهيك ( وَلِتَصْنَعَ) بفتح التاء.وتأوّله كما حدثنا ابن حميد، قال; ثنا يحيى بن واضح، قال; ثنا عبد المؤمن، قال; سمعت أبا نهيك يقرأ ( وَلِتَصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) فسألته عن ذلك، فقال; ولتعمل على عيني.قال أبو جعفر; والقراءة التي لا أستجيز القراءة بغيرها(وَلِتُصْنَعَ) بضم التاء، لإجماع الحجة من القرّاء عليها.وإذا كان ذلك كذلك، فأولى التأويلين به، التأويل الذي تأوله قَتادَة، وهو ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) ولتغذى على عيني، ألقيت عليك المحبة مني ، وعني بقوله (عَلى عَيْنِي) بمرأى مني ومحبة وإرادة.
تفسير الآيتين 38 و 39 :ـحيث ألهمنا أمك أن تقذفك في التابوت وقت الرضاع، خوفا من فرعون، لأنه أمر بذبح أبناء بني إسرائيل، فأخفته أمه، وخافت عليه خوفا شديدا فقذفته في التابوت، ثم قذفته في اليم، أي: شط نيل مصر، فأمر الله اليم، أن يلقيه في الساحل، وقيض أن يأخذه، أعدى الأعداء لله ولموسى، ويتربى في أولاده، ويكون قرة عين لمن رآه، ولهذا قال: { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي } فكل من رآه أحبه { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } ولتتربى على نظري وفي حفظي وكلاءتي، وأي نظر وكفالة أجلّ وأكمل، من ولاية البر الرحيم، القادر على إيصال مصالح عبده، ودفع المضار عنه؟! فلا ينتقل من حالة إلى حالة، إلا والله تعالى هو الذي دبّر ذلك لمصلحة موسى، ومن حسن تدبيره، أن موسى لما وقع في يد عدوه، قلقت أمه قلقا شديدا، وأصبح فؤادها فارغا، وكادت تخبر به، لولا أن الله ثبتها وربط على قلبها، ففي هذه الحالة، حرم الله على موسى المراضع، فلا يقبل ثدي امرأة قط، ليكون مآله إلى أمه فترضعه، ويكون عندها، مطمئنة ساكنة، قريرة العين، فجعلوا يعرضون عليه المراضع، فلا يقبل ثديا.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - طه٢٠ :٣٩
Taha20:39