الرسم العثمانيوَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَءَاتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَآ إِلَّا يَسِيرًا
الـرسـم الإمـلائـيوَلَوۡ دُخِلَتۡ عَلَيۡهِمۡ مِّنۡ اَقۡطَارِهَا ثُمَّ سُٮِٕلُوا الۡفِتۡنَةَ لَاٰتَوۡهَا وَمَا تَلَبَّثُوۡا بِهَاۤ اِلَّا يَسِيۡرًا
تفسير ميسر:
ولو دخل جيش الأحزاب "المدينة" من جوانبها، ثم سئل هؤلاء المنافقون الشرك بالله والرجوع عن الإسلام، لأجابوا إلى ذلك مبادرين، وما تأخروا عن الشرك إلا يسيرًا.
يخبر تعالى عن هؤلاء الذين "يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا" أنهم لو دخل عليهم الأعداء من كل جانب من جوانب المدينة وقطر من أقطارها ثم سئلوا الفتنة وهي الدخول في الكفر لكفروا سريعا وهم لا يحافظون على الإيمان ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع هكذا فسره قتادة وعبد الرحمن بن زيد وابن جرير وهذا ذم لهم في غاية الذم.
قوله تعالى ; ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا .[ ص; 138 ] ولو دخلت عليهم من أقطارها وهي البيوت أو المدينة ; أي من نواحيها وجوانبها ، الواحد قطر ، وهو الجانب والناحية . وكذلك القتر لغة في القطر . ثم سئلوا الفتنة لآتوها أي لجاءوها ; هذا على قراءة نافع وابن كثير بالقصر . وقرأ الباقون بالمد ; أي لأعطوها من أنفسهم ، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم . وقد جاء في الحديث ; أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعذبون في الله ويسألون الشرك ، فكل أعطى ما سألوه إلا بلالا . وفيه دليل على قراءة المد ، من الإعطاء . ويدل على قراءة القصر قوله ; ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ; فهذا يدل على لآتوها مقصورا . وفي الفتنة هنا وجهان ; أحدهما ; سئلوا القتال في العصبية لأسرعوا إليه ; قاله الضحاك . الثاني ; ثم سئلوا الشرك لأجابوا إليه مسرعين ; قاله الحسن . وما تلبثوا بها ؛ أي بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا ; قاله السدي والقتبي والحسن والفراء . وقال أكثر المفسرين ; أي وما احتبسوا عن فتنة الشرك إلا قليلا ولأجابوا بالشرك مسرعين ; وذلك لضعف نياتهم ولفرط نفاقهم ; فلو اختلطت بهم الأحزاب لأظهروا الكفر .
وقوله; (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِها) يقول; ولو دخلت المدينة على هؤلاء القائلين (إنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) من أقطارها، يعني; من جوانبها ونواحيها، واحدها; قطر، وفيها لغة أخرى; قُتر، وأقتار، ومنه قول الراجز;إنْ شِـــئْتَ أنْ تــدهن أو تمــرافَــــوَلِّهِنَّ قُـــتْرَكَ الأشَـــرَّا (15)وقوله; (ثُمَّ سُئِلوا الفِتْنَةَ) يقول; ثم سئلوا الرجوع من الإيمان إلى الشرك (لآتَوْها) يقول; لفعلوا ورجعوا عن الإسلام وأشركوا. وقوله; (وَما تَلَبَّثُوا بها إلا يَسِيرًا) يقول; وما احتبسوا عن إجابتهم إلى الشرك إلا يسيرا قليلا ولأسرعوا إلى ذلك.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ) أي; لو دخل عليهم من نواحي المدينة (ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ) ; أي; الشرك (لآتَوْها) يقول; لأعطوها.(وَما تَلَبَّثُوا بِها إلا يَسِيرًا) يقول; إلا أعطوه طيبة به أنفسهم ما يحتبسونه.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد في قوله; ( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ) يقول; لو دخلت المدينة عليهم من نواحيها(ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لآتوْهَا) سئلوا أن يكفروا لكفروا. قال; وهؤلاء المنافقون لو دخلت عليهم الجيوش، والذين يريدون قتالهم، ثم سئلوا أن يكفروا لكفروا. قال; والفتنة; الكفر، وهي التي يقول الله; (الفِتْنَةُ أشَدُّ مِنَ القَتْلِ) أي; الكفر. يقول; يحملهم الخوف منهم، وخبث الفتنة التي هم عليها من النفاق على أن يكفروا به.واختلفت القرّاء في قراءة قوله; (لآتَوْها) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وبعض قرّاء مكة; (لأتَوْها) بقصر الألف، بمعنى جاءوها. وقرأه بعض المكيين وعامة قرّاء الكوفة والبصرة; (لآتَوْها) بمدّ الألف، بمعنى; لأعطوها، لقوله; (ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ). وقالوا; إذا كان سؤال كان إعطاء. والمدّ أعجب القراءتين إليّ لما ذكرت، وإن كانت الأخرى جائزة.--------------------الهوامش ;(14) البيت لعباس بن مرداس، وقد سبق الاستشهاد به في (20 ; 66) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 193 - ب); عند تفسير قوله تعالى; (لا مقام لكم); مفتوحة الأولى. ومجازها; لا مكان لكم تقومون فيه. ومنه قوله; "فإني ما وأيك كان شرا ... " البيت.(15) البيتان من مشطور الرجز. ولم أقف على قائلهما. والشاهد فيهما في قوله; "قترك" بضم فسكون بمعنى القطر، وهو الجانب والناحية. قال أبو عبيدة; "من أقطارها" أي من جوانبها ونواحيها. وواحدها قطر، وفي "اللسان; قتر" القتر; بضم فسكون، والفتر; بضمتين; الناحية والجانب لغة; في القطر، وهي; الأقتار. ا هـ. وفي (اللسان; قطر)، وفي التنزيل العزيز; (من أقطار السماوات والأرض); أقطارها; نواحيها; واحدها قطر، وكذلك أقتراها، واحدها قتر. ا هـ.
{ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ } المدينة { مِنْ أَقْطَارِهَا } أي: لو دخل الكفار إليها من نواحيها، واستولوا عليها -لا كان ذلك- { ثُمَّ } سئل هؤلاء { الْفِتْنَة } أي: الانقلاب عن دينهم، والرجوع إلى دين المستولين المتغلبين { لَآتَوْهَا } أي: لأعطوها مبادرين.{ وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا } أي: ليس لهم منعة ولا تَصلُّبٌ على الدين، بل بمجرد ما تكون الدولة للأعداء، يعطونهم ما طلبوا، ويوافقونهم على كفرهم، هذه حالهم.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الأحزاب٣٣ :١٤
Al-Ahzab33:14