فَنَبَذْنٰهُ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ
فَنَبَذۡنٰهُ بِالۡعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيۡمٌۚ
تفسير ميسر:
فطرحناه من بطن الحوت، وألقيناه في أرض خالية عارية من الشجر والبناء، وهو ضعيف البدن.
وقد تقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه مسندا مرفوعا في تفسير سورة الأنبياء ولهذا قال تعالى "فنبذناه" أي لقيناه "بالعراء" قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره وهي الأرض التي ليس بها نبت ولا بناء قيل على جانب دجلة وقيل بأرض اليمن فالله أعلم "وهو سقيم" أي ضعيف البدن قال ابن مسعود رضي الله عنه كهيئة الفرخ ليس عليه ريش وقال السدي كهيئة الظبي حين يولد وهو المنفوس وقاله ابن عباس رضي الله عنهما وابن زيد أيضا.
قوله تعالى ; فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين روي أن الحوت قذفه بساحل قرية من الموصل . وقال ابن قسيط عن أبي هريرة ; طرح يونس بالعراء وأنبت الله عليه يقطينة ، فقلنا ; يا أبا هريرة وما اليقطينة ؟ قال ; شجرة الدباء ، هيأ الله له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض - أو هشاش الأرض - فتفشج عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ; خرج به - يعني الحوت - حتى لفظه في ساحل البحر ، فطرحه مثل الصبي المنفوس لم ينقص من خلقه شيء . وقيل ; إن يونس لما ألقاه الحوت على ساحل البحر أنبت الله عليه شجرة من يقطين ، وهي فيما ذكر شجرة القرع تتقطر عليه من اللبن حتى رجعت إليه قوته . ثم رجع ذات يوم إلى الشجرة فوجدها يبست ، فحزن وبكى عليها فعوتب ، فقيل له ; أحزنت على شجرة وبكيت عليها ، ولم تحزن على مائة ألف وزيادة من بني إسرائيل ، من أولاد إبراهيم خليلي ، أسرى في أيدي العدو ، وأردت إهلاكهم جميعا . وقيل ; هي شجرة التين . وقيل ; شجرة الموز تغطى بورقها ، واستظل بأغصانها ، وأفطر على ثمارها . والأكثر على أنها شجرة اليقطين على ما يأتي . ثم إن الله تبارك وتعالى اجتباه فجعله من الصالحين . ثم أمره أن يأتي قومه ويخبرهم أن الله تعالى قد [ ص; 116 ] تاب عليهم ، فعمد إليهم حتى لقي راعيا فسأله عن قوم يونس وعن حالهم وكيف هم ، فأخبره أنهم بخير ، وأنهم على رجاء أن يرجع إليهم رسولهم . فقال له ; فأخبرهم أني قد لقيت يونس . قال ; وماذا ؟ قال ; وهذه البقعة التي أنت فيها تشهد لك أنك لقيت يونس ، قال ; وماذا ؟ قال ; وهذه الشجرة تشهد لك أنك لقيت يونس . وأنه رجع الراعي إلى قومه فأخبرهم أنه لقي يونس فكذبوه وهموا به شرا ، فقال ; لا تعجلوا علي حتى أصبح ، فلما أصبح غدا بهم إلى البقعة التي لقي فيها يونس ، فاستنطقها فأخبرتهم أنه لقي يونس ، واستنطق الشاة والشجرة فأخبرتاهم أنه لقي يونس ، ثم إن يونس أتاهم بعد ذلك . ذكر هذا الخبر وما قبله الطبري رحمه الله . فنبذناه ; طرحناه . وقيل ; تركناه . بالعراء ; بالصحراء ، قاله ابن الأعرابي . الأخفش ; بالفضاء . أبو عبيدة ; الواسع من الأرض . الفراء ; العراء ; المكان الخالي . قال ; وقال أبو عبيدة ; العراء وجه الأرض ، وأنشد لرجل من خزاعة ;ورفعت رجلا لا أخاف عثارها ونبذت بالبلد العراء ثيابيوحكى الأخفش في قوله ; وهو سقيم ; جمع سقيم سقمى وسقامى وسقام . وقال في هذه السورة ; فنبذناه بالعراء وقال في " ن والقلم " لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم والجواب ; أن الله - عز وجل - خبر هاهنا أنه نبذه بالعراء وهو غير مذموم ولولا رحمة الله - عز وجل - لنبذ بالعراء وهو مذموم ، قاله النحاس .
وقوله ( فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ ) يقول; فقذفناه بالفضاء من الأرض، حيث لا يواريه شيء من شجر ولا غيره; ومنه قول الشاعر;ورَفَعْـتُ رِجْـلا لا أخـافُ عِثارَهـاوَنَبَــذْتُ بــالبَلدِ العَــرَاءِ ثِيـابِي (7)يعني بالبلد; الفضاء.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ، قال; ثني أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ ) يقول; ألقيناه بالساحل.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ ) بأرض ليس فيها شيء ولا نبات.حدثنا محمد بن الحسين، قال; ثنا أحمد بن المفضل، قال; ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله ( بِالْعَرَاءِ ) قال; بالأرض. وقوله ( وَهُوَ سَقِيمٌ ) يقول; وهو كالصبي المنفوس; لحم نِيء.كما حدثنا محمد بن الحسين، قال; ثنا أحمد، قال; ثنا أسباط، عن السديّ( وَهُوَ سَقِيمٌ ) كهيئة الصبيّ.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زياد، عن عبد الله بن أبي سلمة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، قال; خرج به، يعني الحوت، حتى لفظه في ساحل البحر، فطرحه مثل الصبيّ المنفوس، لم ينقص من خلقه شيء.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد; ما لَفَظَه الحوت حتى صار مثل الصبيّ المنفوس، قد نشر اللحم والعظم، فصار مثل الصبيّ المنفوس، فألقاه في موضع، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين.------------------------الهوامش;(7) البيت من شواهد أبي عبيدة في" مجاز القرآن ، الورقة 211 - ب) . قال في قوله تعالى ;" فنبذناه بالعراء" ; تقول العرب ;" نبذته بالعراء" ; أي الأرض الفضاء . قال الخزاعي ;" ورفعت رجلا ... إلخ البيت" . العراء ; لا شيء يواريه من شجر ولا من غيره اهـ . ، أنشده صاحب (اللسان ; عرا) ولم ينسبه . قال ; وقال أبو عبيده إنما قيل له عراء ، لأنه لا شجر فيه، ولا شيء يغطيه . وقيل ; عن العراء وجه الأرض الخالي وأنشد ;" ورفعته رجلا ... البيت" . ونقل بعد ذلك كلام الزجاج في معنى العراء ، فراجعه ثمة .
{ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ } بأن قذفه الحوت من بطنه بالعراء، وهي الأرض الخالية العارية من كل أحد، بل ربما كانت عارية من الأشجار والظلال. { وَهُوَ سَقِيمٌ } أي: قد سقم ومرض، بسبب حبسه في بطن الحوت، حتى صار مثل الفرخ الممعوط من البيضة.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة