الرسم العثمانيإِنَّ الْمُنٰفِقِينَ فِى الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا
الـرسـم الإمـلائـياِنَّ الۡمُنٰفِقِيۡنَ فِى الدَّرۡكِ الۡاَسۡفَلِ مِنَ النَّارِ ۚ وَلَنۡ تَجِدَ لَهُمۡ نَصِيۡرًا
تفسير ميسر:
إن المنافقين في أسفل منازل النار يوم القيامة، ولن تجد لهم -أيها الرسول- ناصرًا يدفع عنهم سوء هذا المصير.
ثم أخبر تعالى "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" أي يوم القيامة جزاء على كفرهم الغليظ. قال الوالبي عن ابن عباس فى الدرك الأسفل من النار أي في أسفل النار وقال غيره; النار درجات كما "أن الجنة درجات" وقال سفيان الثوري عن عاصم عن ذكوان أبي صالح عن أبي هريرة "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" قال في توابيت ترتج عليهم. كذا رواه ابن جرير عن ابن وكيع عن يحيى بن يمان عن سفيان الثوري به ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان عن عبيدالله بن موسى عن إسرائيل عن عاصم عن أبى صالح عن أبي هريرة "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" قال الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليهم فتوقد من تحتهم ومن فوقهم وقال ابن جرير; حدثنا ابن بشار حدثنا عبدالرحمن حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن خيثمة عن عبدالله يعن ابن مسعود إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار قال في توابيت من نار تطبق عليهم أي مغلقة مقفلة ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن وكيع عن سفيان عن سلمة عن خيثمة عن ابن مسعود إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار قال في توابيت من حديد مبهمة عليهم ومعنى قوله "مبهمة" أي مغلقة مقفلة لا يهتدي لمكان فتحها وروى ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو أسامة حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا علي بن يزيد عن القاسم بن عبدالرحمن أن ابن مسعود سئل عن المنافقين فقال; يجعلون في توابيت من نار تطبق عليهم في أسفل درك من النار ولن تجد لهم نصيرا أي ينقذهم مما هم فيه ويخرجهم من أليم العذاب ثم أخبر تعالى أن من تاب منهم في الدنيا تاب عليه وقبل ندمه إذا أخلص في توبته وأصلح عمله واعتصم بربه في جميع أمره.
قوله تعالى ; إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراقوله تعالى ; في الدرك . قرأ الكوفيون " الدرك " بإسكان الراء ، والأولى أفصح ؛ لأنه يقال في الجمع ; أدراك مثل جمل وأجمال ؛ قاله النحاس . وقال أبو علي ; هما لغتان كالشمع والشمع ونحوه ، والجمع أدراك . وقيل ; جمع الدرك أدرك ؛ كفلس وأفلس . والنار دركات سبعة ؛ أي طبقات ومنازل ؛ إلا أن استعمال العرب لكل ما تسافل أدراك . يقال ; للبئر أدراك ، ولما تعالى درج ؛ فللجنة درج ، وللنار أدراك . وقد تقدم هذا . فالمنافق في الدرك الأسفل وهي الهاوية ؛ لغلظ كفره وكثرة غوائله وتمكنه من أذى المؤمنين . وأعلى الدركات جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية ؛ وقد يسمى جميعها باسم الطبقة الأولى ، أعاذنا الله من عذابها بمنه وكرمه . وعن ابن مسعود في تأويل قوله تعالى ; في الدرك الأسفل من النار قال ; توابيت من حديد مقفلة في النار تقفل عليهم . وقال ابن عمر ; إن أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة ; المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون ؛ تصديق ذلك في كتاب الله تعالى ، قال الله تعالى ; إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار . وقال تعالى في أصحاب المائدة ; فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين . وقال في آل فرعون ; أدخلوا آل فرعون أشد العذاب .
القول في تأويل قوله تعالى إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)قال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بقوله; " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "، إن المنافقين في الطَّبَق الأسفل من أطباق جهنم.* * *وكل طبَق من أطباق جهنم; " درك ". وفيه لغتان،" دَرَك "، بفتح " الراء " و " دَرْك " بتسكينها. فمن فتح " الراء "، جمعه في القلة " أدْرَاك "، وإن شاء جمعه في الكثرة " الدروك ". ومن سكن " الراء " قال; " ثلاثة أدرُك "، وللكثير " الدروك ".* * *وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك;فقرأته عامة قرأة المدينة والبصرة ( فِي الدَّرَكِ ) بفتح " الراء ".* * *وقرأته عامة قرأة الكوفة بتسكين " الراء ".قال أبو جعفر; وهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، لاتفاق معنى ذلك، واستفاضة القراءة بكل واحدة منهما في قرأة الإسلام. غير أني رأيت أهل العلم بالعربيّة يذكرون أن فتح " الراء " منه في العرب، أشهر من تسكينها. وحكوا سماعًا منهم; " أعطني دَرَكًا أصل به حبلي"، (36) وذلك إذا سأل ما يصل به حَبْله الذي قد عجز عن بلوغ الركيَّة. (37)* * *وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;10741- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن خيثمة، عن عبد الله; " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "، قال; في توابيت من حديد مُبْهَمة عليهم. (38)10742- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير، عن شعبة، عن سلمة، عن خيثمة، عن عبد الله قال; إن المنافقين في توابيتَ من حديد مقفلةٍ عليهم في النار.10743- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عاصم، عن ذكوان، عن أبي هريرة; " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "، قال; في توابيت تُرْتَجُ عليهم. (39)10744- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله; " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "، يعني; في أسفل النار.10745- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال لي عبد الله بن كثير قوله; " في الدرك الأسفل من النار "، قال; سمعنا أن جهنم أدْراك، منازل. (40)10746- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن خيثمة، عن عبد الله; " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار "، قال، توابيت من نار تُطْبَقُ عليهم.* * *وأما قوله; " ولن تجد لهم نصيرًا "، فإنه يعني; ولن تجد لهؤلاء المنافقين، يا محمد، من الله= إذا جعلهم في الدرك الأسفل من النار= ناصرًا ينصرهم منه، فينقذهم من عذابه، ويدفع عنهم أليمَ عقابه. (41)--------------------الهوامش ;(36) هذه مقالة أبي عبيدة في مجاز القرآن 1 ; 142. وعجيب من أبي جعفر أن يستدل بهذا ، ويجعله أشهر في كلام العرب. فإن"الدرك" هنا بمعنى; الحبل ، لأنه يدرك به قعر البئر ، وهو عن معنى"الدرك" ، وهو الطبق ، بمعزل!!(37) "الركية"; البئر.(38) "مبهمة"; مصمتة مغلقة ، لا يهتدي لمكان فتحها ، أو إلى مخرج منها.(39) "أرتج الباب يرتجه"; أغلقه إغلاقًا وثيقًا.(40) قوله; "منازل" تفسير"أدراك" جمع"درك".(41) انظر تفسير"نصير" فيما سلف ص; 247 ، تعليق; 6 ، والمراجع هناك.
يخبر تعالى عن مآل المنافقين أنهم في أسفل الدركات من العذاب، وأشر الحالات من العقاب. فهم تحت سائر الكفار لأنهم شاركوهم بالكفر بالله ومعاداة رسله، وزادوا عليهم المكر والخديعة والتمكن من كثير من أنواع العداوة للمؤمنين، على وجه لا يشعر به ولا يحس. ورتبوا على ذلك جريان أحكام الإسلام عليهم، واستحقاق ما لا يستحقونه، فبذلك ونحوه استحقوا أشد العذاب، وليس لهم منقذ من عذابه ولا ناصر يدفع عنهم بعض عقابه، وهذا عام لكل منافق إلا مَنْ مَنَّ الله عليهم بالتوبة من السيئات. { وَأَصْلَحُوا } له الظواهر والبواطن { وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ } والتجأوا إليه في جلب منافعهم ودفع المضار عنهم. { وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ } الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان { لِلَّهِ } فقصدوا وجه الله بأعمالهم الظاهرة والباطنة وسلِمُوا من الرياء والنفاق، فمن اتصف بهذه الصفات { فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } أي: في الدنيا، والبرزخ، ويوم القيامة { وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } لا يعلم كنهه إلا الله، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وتأمل كيف خص الاعتصام والإخلاص بالذكر، مع دخولهما في قوله: { وَأَصْلَحُوا } لأن الاعتصام والإخلاص من جملة الإصلاح، لشدة الحاجة إليهما خصوصا في هذا المقام الحرج الذي يمكن من القلوب النفاق، فلا يزيله إلا شدة الاعتصام بالله، ودوام اللجأ والافتقار إليه في دفعه، وكون الإخلاص منافيا كل المنافاة للنفاق، فذكرهما لفضلهما وتوقفِ الأعمال الظاهرة والباطنة عليهما، ولشدة الحاجة في هذا المقام إليهما. وتأمل كيف لما ذكر أن هؤلاء مع المؤمنين لم يقل: وسوف يؤتيهم أجرا عظيما، مع أن السياق فيهم. بل قال: { وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } لأن هذه القاعدة الشريفة -لم يزل الله يبدئ فيها ويعيد، إذا كان السياق في بعض الجزئيات، وأراد أن يرتب عليه ثوابًا أو عقابا وكان ذلك مشتركًا بينه وبين الجنس الداخل فيه، رتب الثواب في مقابلة الحكم العام الذي تندرج تحته تلك القضية وغيرها، ولئلا يتوهم اختصاص الحكم بالأمر الجزئي، فهذا من أسرار القرآن البديعة، فالتائب من المنافقين مع المؤمنين وله ثوابهم.
(إنّ المنافقين) كالسابقة ،
(في الدرك) جار ومجرور متعلق بخبر إنّ
(الأسفل) نعت للدرك مجرور مثله
(من النار) جار ومجرور متعلق بحال من الدرك
(الواو) عاطفة
(لن تجد لهم نصيرا) مثل لن تجد له سبيلا .جملة «إنّ المنافقين ... » لا محل لها استئنافية.
وجملة «لن تجد لهم ... » في محل رفع معطوفة على خبر إن .
(إلا) أداة استثناء
(الذين) اسم موصول مبني في محل نصب على الاستثناء المنقطع
(تابوا) فعل ماض مبني على الضم ... والواو فاعلـ (الواو) عاطفة
(أصلحوا) مثل تابوا
(الواو) عاطفة
(اعتصموا) مثل تابوا
(بالله) جار ومجرور متعلق بـ (اعتصموا) ،
(الواو) عاطفة
(أخلصوا) مثل تابوا
(دين) مفعول به منصوب و (هم) ضمير مضاف إليه
(لله) مثل بالله متعلق بـ (أخلصوا) ،
(الفاء) استئنافية- أو زائدة للربط لما في الكلام من معنى الشرط المتعلق بالذين-
(أولئك) اسم إشارة مبني في محل رفع مبتدأ ... و (الكاف) للخطابـ (مع) ظرف مكان منصوب متعلق بخبر المبتدأ
(المؤمنين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الياء
(الواو) عاطفة
(سوف) حرف استقبال،
(يؤتي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدرة على الياء ،
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(المؤمنين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء
(أجرا) مفعول به ثان منصوبـ (عظيما) نعت منصوب.
وجملة «تابوا ... » لا محل لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة «أصلحوا» لا محل لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة «اعتصموا» لا محل لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة «أخلصوا» لا محل لها معطوف على جملة الصلة.
وجملة «أولئك مع المؤمنين» لا محل لها استئناف بياني .وجملة «سوف يؤتي الله» لا محل لها معطوفة على جملة أولئك مع ...
- القرآن الكريم - النساء٤ :١٤٥
An-Nisa'4:145