وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ
وَاِنَّهُمۡ لَيَصُدُّوۡنَهُمۡ عَنِ السَّبِيۡلِ وَيَحۡسَبُوۡنَ اَنَّهُمۡ مُّهۡتَدُوۡنَ
تفسير ميسر:
وإن الشياطين ليصدون عن سبيل الحق هؤلاء الذين يعرضون عن ذكر الله، فيزيِّنون لهم الضلالة، ويكرِّهون لهم الإيمان بالله والعمل بطاعته، ويظن هؤلاء المعرضون بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلال أنهم على الحق والهدى.
أي هذا الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ويهديه إلى صراط الجحيم.
( وإنهم ليصدونهم عن السبيل ) أي ; وإن الشياطين ليصدونهم عن سبيل الهدى ، وذكر بلفظ الجمع لأن ( من ) في قوله ; ومن يعش في معنى الجمع . ( ويحسبون ) أي ; ويحسب الكفار أنهم مهتدون وقيل ; ويحسب الكفار إن الشياطين مهتدون فيطيعونهم .
وقوله; ( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ) يقول تعالى ذكره; وإن الشياطين ليصدّون هؤلاء الذين يعشون عن ذكر الله, عن سبيل الحقّ, فيزينون لهم الضلالة, ويكرهون إليهم الإيمان بالله, والعمل بطاعته ( وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) يقول; ويظن المشركون بالله بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلالة, أنهم على الحق والصواب, يخبر تعالى ذكره عنهم أنهم من الذي هم عليه من الشرك على شكّ وعلى غير بصيرة. وقال جلّ ثناؤه; ( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ) فأخرج ذكرهم مخرج ذكر الجميع, وإنما ذُكر قبل واحدا, فقال; ( نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا ) لأن الشيطان وإن كان لفظه واحدا, ففي معنى جمع.--------------------الهوامش ;(2) هذا بيت مركب من شطرين من بيتين مختلفين ؛ فصدره للحطيئة من قصدية مدح بها بغيض بن عامر بن شماس بن لأي بن أنف الناقة التميمي. وعجزه من بيت لعبد بن الحر من قصيدة قالها وهو في حبس مصعب بن الزبير في الكوفة وبيت الحطيئة بتمامه كما في ( خزانة الأدب الكبير للبغدادي 3 ; 662 ) ;مَتـى تَأْتِـهِ تَعْشُـو إلـى ضَـوْءِ نَارِهِتجِـدْ خَـيرَ نـارٍ عِنْدَهـا خَـيرُ مُوقِدِوبيت عبد الله بن الحر بتمامه هو ، كما في ( الخزانة 3 ; 663 ) ;َتـى تَأْتِنـا تُلْمِـمْ بِنـا فِـي دِيارِنـاتَجِـدْ حَطَبـا جَـزْلا ونـاراً تَأجَّجـاواستشهد المؤلف بالبيت عند قوله تعالى ; ( ومن يعش عن ذكر الرحمن ) . قال أبو عبيدة في مجاز القرآن ( الورقة 220 ) ; أي تظلم عينه عنه ، كأن عليها غشاوة . وقال الفراء في معاني القرآن ( الورقة 295) ; يريد ; ومن يعرض عنه . ومن قرأها (ومن يعش ) فتح الشين ، فمعناه ; من يعم عنه . وقال القتيبي ( اللسان ; عشي ) معنى قوله ( ومن يعش عن ذكر الرحمن ) أي يظلم بصره . قال ; وهذا قول أبي عبيدة . ثم ذهب يرد قول الفراء ويقول ; لم أر أحداً يجيزه ; عشوت عن الشيء ; أعرضت عنه . إنما يقال ; تعايشت عن الشيء ; أي تغافلت عنه ، كأني لم أره . وكذلك تعاميت . قال ; وعشوت إلى النار ; أي استدللت عليها ببصر ضعيف . وقال الأزهري يرد كلام ابن قتيبة ; أغفل القتيبي موضع الصواب ، واعترض مع غفلته على الفراء . والعرب تقول ; عشوت إلى النار أعشو عشوا ، أي قصدتها مهتديا . وعشوت عنها ; أي أعرضت عنها . فيفرقون بين إلى وعن موصولين بالفعل . ا هـ .(3) البيت لأعشى بن قيس بن ثعلبة ، ميمون بن قيس ( ديوانه طبع القاهرة 95 ) الضمير في رأت يعود على امرأة ذكرها من أول القصيدة ، وسماها ليلى . والوافدان ; العينان . ومختلف الخلق ; غيرته السن والأحداث عما عهدته عليه من النضرة والقوة . والأعشى الذي به سوء في عينيه ، أو هو الذي لا يبصر ليلاً ، أو هو الأعمى . وهو الأقرب لقوله بعده" ضريرا" . وفعله عشي يعشى عشى ، مثل عمي يعمى . وهو غير عشا إلى الشيء يعشو إذا نظر إليه وأقبل عليه ؛ أو عشا عنه يعشو عشا ; إذا أعرض عنه ؛ كما بيناه في الشاهد الذي قبله . ا هـ .
{ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ } أي: الصراط المستقيم، والدين القويم. { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } بسبب تزيين الشيطان للباطل وتحسينه له، وإعراضهم عن الحق، فاجتمع هذا وهذا.فإن قيل: فهل لهذا من عذر، من حيث إنه ظن أنه مهتد، وليس كذلك؟قيل: لا عذر لهذا وأمثاله، الذين مصدر جهلهم الإعراض عن ذكر اللّه، مع تمكنهم على الاهتداء، فزهدوا في الهدى مع القدرة عليه، ورغبوا في الباطل، فالذنب ذنبهم، والجرم جرمهم.فهذه حالة هذا المعرض عن ذكر اللّه في الدنيا، مع قرينه، وهو الضلال والغيّ، وانقلاب الحقائق.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة