قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غٰلِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوٓا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
قَالَ رَجُلٰنِ مِنَ الَّذِيۡنَ يَخَافُوۡنَ اَنۡعَمَ اللّٰهُ عَلَيۡهِمَا ادۡخُلُوۡا عَلَيۡهِمُ الۡبَابَۚ فَاِذَا دَخَلۡتُمُوۡهُ فَاِنَّكُمۡ غٰلِبُوۡنَ ؕوَعَلَى اللّٰهِ فَتَوَكَّلُوۡۤا اِنۡ كُنۡتُمۡ مُّؤۡمِنِيۡنَ
تفسير ميسر:
قال رجلان من الذين يخشون الله تعالى، أنعم الله عليهما بطاعته وطاعة نبيِّه، لبني إسرائيل; ادخلوا على هؤلاء الجبارين باب مدينتهم، أخْذًا بالأسباب، فإذا دخلتم الباب غلبتموهم، وعلى الله وحده فتوكَّلوا، إن كنتم مُصدِّقين رسوله فيما جاءكم به، عاملين بشرعه.
وقوله تعالى "قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما" أي فلما نكل بنو إسرائيل عن طاعة الله ومتابعة رسول الله موسى - صلى الله عليه وسلم- حرضهم رجلان لله عليهما نعمة عظيمة وهما ممن يخاف أمر الله ويخشى عقابه وقرأ بعضهم " قال رجلان من الذين يخافون " أي ممن لهما مهابة وموضع من الناس ويقال إنهما; يوشع بن نون وكالب بن يوفنا قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطية والسدي والربيع بن أنس وغير واحد من السلف والخلف رحمهم الله فقالا " ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين " أي إن توكلتم على الله واتبعتم أمره ووافقتم رسوله نصركم الله على أعدائكم وأيدكم وظفركم بهم ودخلتم البلد التي كتبها لكم فلم ينفع ذاك فيهم شيئا.
قوله تعالى ; قال رجلان من الذين يخافون قال ابن عباس وغيره ; هما يوشع وكالب بن يوقنا ويقال ابن قانيا ، وكانا من الاثني عشر نقيبا . ويخافون أي ; من الجبارين . قتادة ; يخافون الله تعالى ، وقال الضحاك ; هما رجلان كانا في مدينة الجبارين على دين موسى ; فمعنى يخافون على هذا أي ; من العمالقة من حيث الطبع لئلا يطلعوا على إيمانهم فيفتنوهم ولكن وثقا بالله ، وقيل ; يخافون ضعف بني إسرائيل وجبنهم ، وقرأ مجاهد وابن جبير " يخافون " بضم الياء ، وهذا يقوي أنهما من غير قوم موسى . أنعم الله عليهما أي ; بالإسلام أو باليقين والصلاح . ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون قالا لبني إسرائيل لا يهولنكم عظم أجسامهم فقلوبهم ملئت رعبا منكم ; فأجسامهم عظيمة وقلوبهم ضعيفة ، وكانوا قد علموا أنهم إذا دخلوا من ذلك الباب كان لهم الغلب ، ويحتمل أن يكونا قالا ذلك ثقة بوعد الله . ثم قالا ; وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين مصدقين به ; فإنه ينصركم . ثم قيل على القول الأول ; لما قالا هذا أراد بنو إسرائيل رجمهما بالحجارة ، وقالوا ; نصدقكما وندع قول عشرة ! .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ; قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَاقال أبو جعفر; وهذا خبر من الله عز ذكره عن الرجلين الصَّالحين من قوم موسى; " يوشع بن نون " و " كالب بن يافنا "، أنهما وفَيا لموسى بما عهد إليهما من ترك إعلام قومِه بني إسرائيل= الذين أمرَهم بدخول الأرض المقدسة على الجبابرة من الكنعانيين= بما رأيا وعاينا من شدّة بطش الجبابرة وعِظم خلقهم، ووصفهما الله عز وجل بأنهما ممن يخاف الله ويراقبه في أمره ونهيه، كما;-11664 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان= ح، وحدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي، عن سفيان= ح، وحدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان= عن منصور، عن مجاهد; " قال; رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما "، قال; كلاب بن يافنا، (66) ويوشع بن نون.11665 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن منصور، عن مجاهد قال; " رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما "، قال; يوشع بن نون، وكلاب بن يافنا، (67) وهما من النقباء.11666 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قصة ذكرها، قال; فرجع النقباء، كلُّهم ينهى سِبْطه عن قتالهم، إلا يوشع بن نون، وكلاب بن يافنة، (68) يأمران الأسباط بقتال الجبارين ومجاهدتهم، فعصوهما، وأطاعوا الآخرين، فهما الرجلان اللذان أنعم الله عليهما. (69)11667 - حدثنا ابن حميد وسفيان بن وكيع قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، مثل حديث ابن بشار، عن ابن مهدي= إلا أنّ ابن حميد قال في حديثه; هما من الاثنى عشر نقيبًا.11668 - حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان قال، قال أبو سعيد، قال عكرمة، عن ابن عباس في قصة ذكرها. قال; فرجعوا= يعني النقباء الاثنى عشر= إلى موسى، فأخبروه بما عاينوا من أمرهم، فقال لهم موسى; اكتموا شأنهم، ولا تخبروا به أحدًا من أهل العسكر، فإنكم إن أخبرتموهم بهذا الخبر فَشِلوا ولم يدخلوا المدينة. (70) قال; فذهب كل رجل منهم فأخبر قريبه وابنَ عمه، إلا هذين الرجلين= يوشع بن نون، وكلاب بن يوفنة= فإنهما كتما ولم يخبرا به أحدًا، وهما اللذان قال الله عز وجل; " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما "، إلى قوله; وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ .11669 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما "، وهما اللذان كتماهم; يوشع بن نون فتى موسى، (71) وكالوب بن يوفنة ختَنُ موسى.11670 - حدثنا سفيان قال، حدثنا عبيد الله، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية; " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما "، كالوب، ويوشع بن النون فتى موسى. (72)11671 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله; " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما "، والرجلان اللذان أنعم الله عليهما من بني إسرائيل; يوشع بن النون، وكالوب بن يوفنة.11672 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة; " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما " ذكر لنا أن الرجلين; يوشع بن نون وكالب.11673 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع; أن موسى قال للنقباء لمَّا رجعوا فحدثوه العجبَ; " لا تحدثوا أحدًا بما رأيتم، إن الله سيفتحها لكم ويظهركم عليها من بعد ما رأيتم " =وإن القوم أفشوا الحديث في بني إسرائيل، فقام رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما، (73) كان أحدهما، فيما سمعنا، يوشع بن نون وهو فتى موسى، والآخر كالب- فقالا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ إلى إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . (74)* * *قال أبو جعفر; واختلفت القرأة في قراءة قوله; " قال رجلان من الذين يخافون ".قرأ ذلك قرأة الحجاز والعراق والشام; ( قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ) بفتح " الياء " من " يخافون "، على التأويل الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه آنفًا، أنهما يوشع بن نون وكالب، من قوم موسى، ممن يخاف الله، وأنعمَ عليهما بالتوفيق.* * *وكان قتادة يقول; في بعض القراءة; ( قَالَ رَجُلانِ مِنَ الذِينَ يَخَافُونَ اللهَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ).11674 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة= ح، وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة; " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما "، في بعض الحروف; ( يَخَافُونَ اللهَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ).* * *وهذا أيضا مما يدل على صحة تأويل من تأوَّل ذلك على ما ذكرنا عنه أنه قال; يوشع، وكالب.* * *وروي عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ ذلك; ( قَالَ رَجُلانِ مِنَ الذِينَ يُخَافُونَ ) بضم الياء ( أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ).11675 - حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا هشيم، عن القاسم بن أبي أيوب= ولا نعلمه أنه سمع منه= عن سعيد بن جبير; أنه كان يقرؤها بضم الياء من; (يُخافُونَ).وكأن سعيدًا ذهب في قراءته هذه إلى أن الرجلين اللذين أخبر الله عنهما أنهما قالا لبني إسرائيل; ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ، كانا من رهط الجبابرة، وكانا أسلما واتَّبعا موسى، فهما من أولاد الجبابرة الذين يخافهم بنو إسرائيل، (75) وإن كانوا لهم في الدين مخالفين. (76)* * *وقد حكي نحو هذا التأويل عن ابن عباس.11676 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله; ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ، قال; هي مدينةُ الجبارين. لما نـزل بها موسى وقومه، بعث منهم اثني عشر رجلا= وهم النقباء الذين ذكر بعثتهم (77) = ليأتوه بخبرهم. فساروا، فلقيهم رجل من الجبارين، فجعلهم في كسائه، فحملهم حتى أتى بهم المدينة، ونادى في قومه فاجتمعوا إليه، فقالوا; من أنتم؟ فقالوا; نحن قوم موسى، بعثَنا إليكم لنأتيه بخبركم! فأعطوهم حبَّة من عِنب بوِقْر الرجل، (78) فقالوا لهم; اذهبوا إلى موسى وقومه فقولوا لهم; اقدُروا قَدْر فاكهتهم! فلما أتوهم قالوا لموسى; " اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون "!=" قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا "، وكانا من أهل المدينة أسلَما واتّبعا موسى وهارون، فقالا لموسى; ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .* * *قال أبو جعفر; فعلى هذه القراءة وهذا التأويل، لم يكتم من الاثنى عشر نقيبًا أحدٌ، ما أمرهم موسى بكتمانه بني إسرائيل مما رأوا وعاينوا من عظم أجسام الجبابرة، وشدة بطشهم، وعجيب أمورهم، بل أفشوا ذلك كله. وإنما القائل للقوم ولموسى; ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ، رجلان من أولاد الذين كان بنو إسرائيل يخافونهم ويرهبون الدخولَ عليهم من الجبابرة، كان أسلما وتبعا نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم.* * *قال أبو جعفر; وأولى القراءتين بالصواب عندنا، قراءةُ من قرأ; ( مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ) لإجماع قرأة الأمصار عليها= وأنَّ ما استفاضت به القراءة عنهم، فحجة لا يجوز خلافها، وما انفرد به الواحد، فجائز فيه الخطأ والسهو. ثم في إجماع الحجةِ في تأويلها على أنهما رجلان من أصحاب موسى من بني إسرائيل وأنهما يوشع وكلاب، ما أغنى عن الاستشهاد على صحة القراءة بفتح " الياء " في ذلك، وفسادِ غيره. وهو التأويل الصحيحُ عندنا، لما ذكرنا من إجماعها عليه.* * *وأما قوله; " أنعم الله عليهما "، فإنه يعني; أنعم الله عليهم بطاعة الله في طاعة نبيه موسى صلى الله عليه، وانتهائهم إلى أمره، والانـزجار عما زجرهما عنه صلى الله عليه وسلم، من إفشاء ما عاينا من عجيب أمر الجبارين إلى بني إسرائيل، الذي حدّث عنه أصحابهما الآخرون الذين كانوا معهما من النقباء. (79)* * *وقد قيل إن معنى ذلك; أنعم الله عليهما بالخوف.ذكر من قال ذلك;11677 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا خلف بن تميم قال، حدثنا إسحاق بن القاسم، عن سهل بن علي قوله; " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما "، قال; أنعم الله عليهما بالخوف. (80)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك كان الضحاك يقول، وجماعة غيره.11678 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله; " قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما "، بالهدى فهداهما، فكانا على دين موسى، وكانا في مدينة الجبّارين.* * *القول في تأويل قوله جل ثناؤه ; ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَقال أبو جعفر; وهذا خبر من الله عز ذكره عن قول الرجلين اللذين يخافان الله لبني إسرائيل، إذ جبُنوا وخافوا من الدخول على الجبارين، لمَّا سمعوا خبرهم، وأخبرهم النقباء الذين أفشَوْا ما عاينوا من أمرهم فيهم، وقالوا; (81) إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا ، فقالا لهم; ادخلوا عليهم، أيها القوم بابَ مدينتهم، فإن الله معكم، وهو ناصركم، وإنكم إذا دخلتم الباب غلبتموهم، كما;-11679 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم بالكتاب الأوَّل، قال; لما هم بنو إسرائيل بالانصراف إلى مصر، حين أخبرهم النقباء بما أخبروهم من أمر الجبابرة، خرَّ موسى وهارون على وجوههما سجودًا قدِّام جماعة بني إسرائيل، وخرَّق يوشع بن نون وكالب بن يافنا ثيابهما، وكانا من جواسيس الأرض، وقالا لجماعة بني إسرائيل; " إن الأرض مررنا بها وحسِسْناها صالحًة، (82) رضيها ربُّنا لنا فوهبها لنا، وإنها.. تفيض لبنًا وعسلا (83) ولكن افعلوا واحدة; لا تعصُوا الله، ولا تخشوا الشعب الذين بها، فإنهم خُبْزُنا، ومُدَفَّعون في أيدينا، (84) إن كبرياءهم ذهبت منهم، (85) وإن الله معنا فلا تخشوهم. فأراد جماعة من بني إسرائيل أن يرجموهما بالحجارة.11680 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال; ذكر لنا أنهم بعثوا اثنى عشر رجلا من كل سبط رجلا عيونًا لهم، وليأتوهم بأخبار القوم. فأمَّا عشرة فجبَّنُوا قومهم وكرَّهوا إليهم الدخول عليهم. وأما الرجلان فأمرا قومهما أن يدخلوها، وأن يتبعوا أمر الله، ورغَّبا في ذلك، وأخبرا قومهما أنهم غالبون إذا فعلوا ذلك.11681 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله; " عليهم الباب "، قرية الجبَّارين.* * *القول في تأويل قوله جل ثناؤه ; وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)قال أبو جعفر; وهذا أيضًا خبر من الله جل وعزّ عن قول الرجلين اللذين يخافان الله، أنهما قالا لقوم موسى يشجعانهم بذلك، ويرغِّبانهم في المضيّ لأمر الله بالدخول على الجبارين في مدينتهم= توكلوا أيها القوم، على الله في دخولكم عليهم، فيقولان لهم; (86) ثقوا بالله، (87) فإنه معكم إن أطعتموه فيما أمركم من جهاد عدوِّكم. وعنيا بقولهما; " إن كنتم مؤمنين " إن كنتم مصدِّقي نبيكم صلى الله عليه وسلم فيما أنبأكم عن ربَّكم من النصرة والظفر عليهم، وفي غير ذلك من إخباره عن ربه= ومؤمنين بأن ربَّكم قادر على الوفاء لكم بما وعدكم من تمكينكم في بلاد عدوِّه وعدوِّكم.* * *---------------الهوامش ;(66) في المطبوعة الموضعين; "يوفنة" ، وفي المخطوطة في الموضعين; "فانيا" ، وانظر ص; 113 تعليق; 2.(67) في المطبوعة; "يوفنا" ، وفي المخطوطة; "فانيه". وانظر التعليق على الأثر; 11573.(68) في المطبوعة; "يوفنا" ، وفي المخطوطة; "فانيه". وانظر التعليق على الأثر; 11573.(69) الأثر; 11666- مضى هذا الخبر برقم; 11573 ، ومضى صدره قريبًا برقم; 11660.(70) "فشل"; جبن ونكص.(71) في المخطوطة; "هو يوشع بن النون" ، وأظن أصلها"هوشع بن النون" ، كما سلف في ص; 113 ، تعليق; 2. وكان في المطبوعة هنا"نون" ، فأثبت ما في المخطوطة.(72) في المطبوعة; "بن نون" ، في الموضعين ، وأثبت ما في المخطوطة.(73) في المخطوطة; "فقام رجلان هما اللذان يخافون.." ، والذي في المطبوعة هو الصواب.(74) في المطبوعة; "ادخلوا عليهما الباب إن كنتم مؤمنين" ، وهو غير صواب ، والصواب من المخطوطة.(75) في المخطوطة; "فهم من أولاد الجبابرة" ، والصواب ما في المطبوعة.(76) في المطبوعة; "وإن كانا لهم في الدين مخالفين" ، وفي المخطوطة; "وإن كانوا لهم في الدنيا مخالفين" ، والصواب المحض ما أثبته.(77) في المطبوعة; "ذكر نعتهم" ، وفي المخطوطة; "ذكر بعثهم" ، وكتبتها"بعثتهم" ، ويعني بذلك ما جاء في الآية السالفة من هذه السورة; 10"ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبًا".(78) "الوقر" (بكسر فسكون); الحمل والثقل.(79) في المطبوعة; "الذي حذر عنه أصحابهما الآخرين.." ، وفي المخطوطة; "الذي حول عنه أصحابهما الآخرون" ، وصواب قراءة ذلك ما أثبت ، ولا معنى لتغيير ما غيره ناشر المطبوعة الأولى.(80) الأثر; 11677-"خلف بن تميم بن أبي عتاب التميمي" ، أبو عبد الرحمن ثقة عابد. مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/180 ، وابن أبي حاتم 1/2/370.و"إسحق بن القاسم" ، لم أجده.وأما "سهل بن علي" ، فلم أجد من يسمى بذلك إلا"سهل بن علي المروزي" ، روى عن المبارك. روى عنه المراوزة كلامه ، وتأدبوا بورعه. مترجم في ابن أبي حاتم 2/1/203.(81) السياق; .. إذ جبنوا وخافوا.. وقالوا" ، معطوفا على ذلك.(82) "حس منه خيرًا وأحس" ، رآه وعلمه.(83) في المطبوعة والمخطوطة; "وإنها لم تكن تفيض لبنًا وعسلا" ، وهو لا يستقيم ، والذي جاء في كتاب القوم ، في سفر العدد ، في الإصحاح الثالث عشر; "وحقًا إنها تفيض لبنًا وعسلا" ، وفي الرابع عشر = وهو نص هذا الكلام بالعربية="ويعطينا إياها أرضًا تفيض لبنًا وعسلا". فحذفت"لم تكن" ، ووضعت مكانها نقطًا ، مخافة أن تكون الكلمة محرفة عن شيء لم أعرفه.(84) في المطبوعة; "فإنهم جبناء مدفعون.." ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو مطابق لما في كتاب القوم في سفر العدد ، الإصحاح الرابع عشر. ويعني بقوله; "خبرنا" ، أي هم طعمة لنا وغنيمة ، كما نقول بالعربية.(85) في المطبوعة; "إن حاربناهم ذهبت منهم" ، ولا أدري ما هذا. وفي المخطوطة; "إن حرباهم ذهبت منهم". ورأيت أن أقرأها كذلك ، فإني رأيت في كتاب القوم; "قد زال عنهم ظلهم ، والرب معنا" ، كأنه يعني; قد ذهب عنهم ما كان ملازمًا لهم من الجرأة والقوة والبطش والمهابة.هذا ، ومن المفيد أن تقارن هذا المروى عن ابن إسحق ، بترجمة التوراة الموجودة في أيدينا ، فإن هذه الروايات عن ابن إسحق ، ترجمته قديمة للتوراة بلا شك. ولعل متتبعًا يتتبع هذه الرواية عن ابن إسحق وغيره ، ويقارنها بالترجمة الموجودة الآن ، فإن في ذلك فوائد تاريخية عظيمة ، وفوائد في مناهج الترجمة قديمًا وحديثًا.(86) في المطبوعة; "ويقولان" ، وأثبت ما في المخطوطة.(87) انظر تفسير"التوكل" فيما سلف ص; 108 ، تعليق; 2 ، والمراجع هناك.
تفسير الآيات من 20 حتى 26 :ـ لما امتن الله على موسى وقومه بنجاتهم من فرعون وقومه وأسرهم واستبعادهم، ذهبوا قاصدين لأوطانهم ومساكنهم، وهي بيت المقدس وما حواليه، وقاربوا وصول بيت المقدس، وكان الله قد فرض عليهم جهاد عدوهم ليخرجوه من ديارهم. فوعظهم موسى عليه السلام؛ وذكرهم ليقدموا على الجهاد فقال لهم: { اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } بقلوبكم وألسنتكم. فإن ذكرها داع إلى محبته تعالى ومنشط على العبادة، { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ } يدعونكم إلى الهدى، ويحذرونكم من الردى، ويحثونكم على سعادتكم الأبدية، ويعلمونكم ما لم تكونوا تعلمون { وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا } تملكون أمركم، بحيث إنه زال عنكم استعباد عدوكم لكم، فكنتم تملكون أمركم، وتتمكنون من إقامة دينكم. { وَآتَاكُمْ } من النعم الدينية والدنيوية { مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ } فإنهم في ذلك الزمان خيرة الخلق، وأكرمهم على الله تعالى. وقد أنعم عليهم بنعم ما كانت لغيرهم. فذكرهم بالنعم الدينية والدنيوية، الداعي ذلك لإيمانهم وثباته، وثباتهم على الجهاد، وإقدامهم عليه، ولهذا قال: { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ } أي: المطهرة { الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } فأخبرهم خبرا تطمئن به أنفسهم، إن كانوا مؤمنين مصدقين بخبر الله، وأنه قد كتب الله لهم دخولها، وانتصارهم على عدوهم. { وَلَا تَرْتَدُّوا } أي: ترجعوا { عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } قد خسرتم دنياكم بما فاتكم من النصر على الأعداء وفتح بلادكم. وآخرتكم بما فاتكم من الثواب، وما استحققتم -بمعصيتكم- من العقاب، فقالوا قولا يدل على ضعف قلوبهم، وخور نفوسهم، وعدم اهتمامهم بأمر الله ورسوله. { يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ } شديدي القوة والشجاعة، أي: فهذا من الموانع لنا من دخولها. { وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } وهذا من الجبن وقلة اليقين، وإلا فلو كان معهم رشدهم، لعلموا أنهم كلهم من بني آدم، وأن القوي من أعانه الله بقوة من عنده، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ولعلموا أنهم سينصرون عليهم، إذ وعدهم الله بذلك، وعدا خاصا. { قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ } الله تعالى، مشجعين لقومهم، منهضين لهم على قتال عدوهم واحتلال بلادهم. { أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا } بالتوفيق، وكلمة الحق في هذا الموطن المحتاج إلى مثل كلامهم، وأنعم عليهم بالصبر واليقين. { ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ } أي: ليس بينكم وبين نصركم عليهم إلا أن تجزموا عليهم، وتدخلوا عليهم الباب، فإذا دخلتموه عليهم فإنهم سينهزمون، ثم أمَرَاهم بعدة هي أقوى العدد، فقالا: { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } فإن في التوكل على الله -وخصوصا في هذا الموطن- تيسيرا للأمر، ونصرا على الأعداء. ودل هذا على وجوب التوكل، وعلى أنه بحسب إيمان العبد يكون توكله، فلم ينجع فيهم هذا الكلام، ولا نفع فيهم الملام، فقالوا قول الأذلين: { يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } فما أشنع هذا الكلام منهم، ومواجهتهم لنبيهم في هذا المقام الحرج الضيق، الذي قد دعت الحاجة والضرورة إلى نصرة نبيهم، وإعزاز أنفسهم. وبهذا وأمثاله يظهر التفاوت بين سائر الأمم، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم -حين شاورهم في القتال يوم \"بدر\" مع أنه لم يحتم عليهم: يا رسول الله، لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ولو بلغت بنا برك الغماد ما تخلف عنك أحد. ولا نقول كما قال قوم موسى لموسى: { اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن يسارك. فلما رأى موسى عليه السلام عتوهم عليه { قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي } أي: فلا يدان لنا بقتالهم، ولست بجبار على هؤلاء. { فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } أي: احكم بيننا وبينهم، بأن تنزل فيهم من العقوبة ما اقتضته حكمتك، ودل ذلك على أن قولهم وفعلهم من الكبائر العظيمة الموجبة للفسق. { قَالَ } الله مجيبا لدعوة موسى: { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ } أي: إن من عقوبتهم أن نحرم عليهم دخول هذه القرية التي كتبها الله لهم، مدة أربعين سنة، وتلك المدة أيضا يتيهون في الأرض، لا يهتدون إلى طريق ولا يبقون مطمئنين، وهذه عقوبة دنيوية، لعل الله تعالى كفر بها عنهم، ودفع عنهم عقوبة أعظم منها، وفي هذا دليل على أن العقوبة على الذنب قد تكون بزوال نعمة موجودة، أو دفع نقمة قد انعقد سبب وجودها أو تأخرها إلى وقت آخر. ولعل الحكمة في هذه المدة أن يموت أكثر هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة، الصادرة عن قلوب لا صبر فيها ولا ثبات، بل قد ألفت الاستعباد لعدوها، ولم تكن لها همم ترقيها إلى ما فيه ارتقاؤها وعلوها، ولتظهر ناشئة جديدة تتربى عقولهم على طلب قهر الأعداء، وعدم الاستعباد، والذل المانع من السعادة. ولما علم الله تعالى أن عبده موسى في غاية الرحمة على الخلق، خصوصا قومه، وأنه ربما رق لهم، واحتملته الشفقة على الحزن عليهم في هذه العقوبة، أو الدعاء لهم بزوالها، مع أن الله قد حتمها، قال: { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } أي: لا تأسف عليهم ولا تحزن، فإنهم قد فسقوا، وفسقهم اقتضى وقوع ما نزل بهم لا ظلما منا.
(قال) فعل ماض
(رجلان) فاعل مرفوع
(من) حرف جرّ
(الذين) اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّق بنعت لـ (رجلان) ،
(يخافون) مضارع مرفوع.. والواو فاعلـ (أنعم) مثل قالـ (الله) لفظالجلالة فاعل مرفوع
(على) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (أنعم) ،
(ادخلوا) فعل أمر مبني على حذف النون.. والواو فاعلـ (عليهم) مثل عليهما متعلّق بـ (ادخلوا) ،
(الباب) مفعول به منصوبـ (الفاء) عاطفة
(إذا) ظرف للزمن المستقبل متضمّن معنى الشرط متعلّق بمضمون الجوابـ (دخلتم) فعل ماض مبني على السكون.. و (تم) ضمير فاعل و (الواو) زائدة هي إشباع حركة الميم و (الهاء) ضمير مفعول به
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل و (كم) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ
(غالبون) خبر إنّ مرفوع وعلامة الرفع الواو (الواو) عاطفة
(على الله) جارّ ومجرور متعلّق بـ (توكّلوا) ،
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر، سمّاها أبو حيّان جواب أمر محذوف تقديره تنبهوا فتوكلوا
(توكّلوا) مثل ادخلوا
(إن) حرف شرط جازم
(كنتم) فعل ماض ناقص مبني في محلّ جزم فعل الشرط.. و (تم) ضمير اسم كان
(مؤمنين) خبر كان منصوب وعلامة النصب الياء.
جملة «قال رجلان ... » : لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «يخافون» : لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة «أنعم الله ... » : في محلّ رفع نعت ثان لـ (رجلان) .
وجملة «ادخلوا ... » : في محلّ نصب مقول القول.
وجملة «دخلتموه» : في محلّ جرّ مضاف إليه.. والشرط وفعله وجوابه في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول.وجملة «إنكم غالبون» : لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة «توكّلوا» : في محلّ جزم جواب شرط مقدّر.. أي إن كنتم مؤمنين فتوكّلوا.
وجملة «كنتم مؤمنين» : لا محلّ لها تفسيريّة، وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله وهو قوله فتوكّلوا على الله.