وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّى لَكُمَا لَمِنَ النّٰصِحِينَ
وَقَاسَمَهُمَاۤ اِنِّىۡ لَـكُمَا لَمِنَ النّٰصِحِيۡنَۙ
تفسير ميسر:
وأقسم الشيطان لآدم وحواء بالله إنه ممن ينصح لهما في مشورته عليهما بالأكل من الشجرة، وهو كاذب في ذلك.
"وقاسمهما" أي حلف لهما بالله "إني لكما لمن الناصحين" فإني من قبلكما ههنا وأعلم بهذا المكان وهذا من باب المفاعلة والمراد أحد الطرفين كما قال خالد بن زهير بن عم أبي ذؤيب. وقاسمهم بالله جهدا لأنتم ألذ من السلوى إذ ما نشوزها أي حلف لهما بالله على ذلك حتى خدعهما وقد يخدع المؤمن بالله وقال قتادة في الآية حلف بالله إني خلقت قبلكما وأنا أعلم منكما فاتبعان أرشدكما وكان بعض أهل العلم يقول من خدعنا بالله انخدعنا له.
قوله تعالى وقاسمهما إني لكما لمن الناصحينقوله تعالى وقاسمهما أي حلف لهما . يقال ; أقسم إقساما ; أي حلف . قال الشاعر ;وقاسمها بالله جهدا لأنتمألذ من السلوى إذا ما نشورهاوجاء " فاعلت " من واحد . وهو يرد على من قال ; إن المفاعلة لا تكون إلا من اثنين . وقد تقدم في " المائدة "إني لكما لمن الناصحين ليس لكما داخلا في الصلة . والتقدير ; إني ناصح لكما لمن الناصحين ; قاله هشام النحوي . وقد تقدم مثله في " البقرة " ومعنى الكلام ; اتبعاني أرشدكما ; ذكره قتادة .
القول في تأويل قوله ; وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)قال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بقوله; (وقاسمهما)، وحلف لهما, كما قال في موضع آخر; تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ ، [سورة النمل; 49]، بمعنى تحالفوا بالله ، وكما قال خالد بن زهير[ابن] عمّ أبي ذويب; (52)وَقَاسَــمَهَا بِاللــهِ جَــهْدًا لأَنْتُــمُألَـذُّ مِـنَ السَّـلْوَى إِذَا مَـا نَشُـورُهَا (53)بمعنى; وحالفهما بالله ، وكما قال أعشى بني ثعلبة;رَضِيعَــيْ لِبَـانٍ, ثَـدْيَ أُمٍّ تَقَاسَـمَابِأَسْــحَمَ دَاجٍ عَــوْضُ لا نَتَفَــرَّقُ (54)بمعنى تحالفا.* * *وقوله; (إني لكما لمن الناصحين) أي; لممن ينصح لكما في مشورته لكما, وأمره إياكما بأكل ثمر الشجرة التي نهيتما عن أكل ثمرها، وفي خبري إياكما بما أخبركما به، من أنكما إن أكلتماه كنتما ملكين أو كنتما من الخالدين، كما;-14396- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله; (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين)، فحلف لهما بالله حتى خدعهما, وقد يُخْدع المؤمن بالله, فقال; إني خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما, فاتبعاني أرشدكما. وكان بعض أهل العلم يقول; " من خادَعنا بالله خُدِعْنا ".--------------------الهوامش ;(52) جاء في المطبوعة والمخطوطة (( خالد بن زهير عم أبي ذؤيب )) ، ولم أجد هذا القول لأحد ، بل الذي قالوه أن (( خالد بن زهير الهذلي )) ، هو ابن أخت أبي ذؤيب ، أو ابن أخيه ، أو ; ابن عم أبي ذؤيب . فالظاهر أن صواب الجملة هو ما أثبت . انظر خزانة الأدب 2 ; 320 ، 321 /3 ; 597 ، 598 ، 647 ، 648 .(53) ديوان الهذلين 1 ; 158 ، من قصائده التي تقارضها هو وأبو ذؤيب في المرأة التي كانت ضصديقة عبد عمرو بن مالك ، فكان أبو ذؤيب رسوله إليها ، فلما كبر عبد عمرو احتال لها أبو ذؤيب فأخذها منه وخادنها . وغاضبها أبو ذؤيب ، فكان رسوله إلى هذه المرأة ابن عمه خالد بن زهير ، ففعل به ما فعل هو بعبد عمرو بن مالك ، أخذ منه المرأة فخادنه ، فغاضبه أبو ذؤيب وغاضبها ، وقال لها حين جاءت تعتذر إليه ;تُرِيــدينَ كَيْمَـا تَجْـمَعِينِي وَخَـالِدًا !وَهَـلْ يُجْمَعُ السَّيْفَان وَيْحَكِ فِي غِمْدِ !أَخَـالِدُ ، مَـا رَاعَيْـتَ مـن ذِي قَرَابَةٍفَتَحْـفَظَنِي بِـالْغَيْبِ، أوْ بَعْضَ مَا تُبْدِيدَعَــاكَ إلَيْهَــا مُقْلَتَاهــا وَجِيدُهَـافَمِلْـتَ كَمَـا مَـالَ المُحِـبُّ عَلَى عَمْدِثم قال لخالد ;رَعَـي خَـالِدٌ سِـرِّي ، لَيَـالِيَ نَفْسُـهُتَـوَالَى عـلى قَصْـدِ السَّـبِيلِ أُمُورُهَافَلَمَّــا تَرَامَــاهُ الشَّــبَابُ وَغَيُّــهُ،وَفـي النَّفْسِ مِنْـهُ فِتْنَـةٌ وَفُجُورُهَـالَـوَى رَأْسَـهُ عَنِّـي ، ومَــالَ بِـوُدِّهأَغَـانِيجُ خَـوْدٍ كَـانَ قِدْمًـا يَزُورُهَـافأجابه خالد من أبيات ;فَـلا تَجْـزَعَنْ مِـنْ سُـنَّةٍ أَنْتَ سِرْتَهاوَأَوَّلُ رَاضٍ سُــنَّةً مَــنْ يَسِـيرُهَافَـإنَّ الَّتِـي فِينَـا زَعَمْـتَ ، ومِثْلُهَـالَفِيــكَ ، وَلَكِــنِّي أَرَاكَ تَجُورُهَــاتَنَقَّذْتَهَـا مِـنْ عَبْـدِ عَمْـرو بن مَالِكٍوأَنْـتَ صَفِـيُّ النَّفْسِ مِنْـهُ وَخِيرُهـايُطِيــلُ ثَــوَاءً عِنْدَهــا لِيَرُدَّهَــاوَهَيْهَـاتَ مِنْـهُ دُورُهَــا وقُصُورهـاوَقَاسَـــمَهَا باللــه ................ . . . . . . . . . . . . . . . . . .و(( السلوى )) ، العسل . (( شار العسل يشوره )) ، أخذ من موضعه في الخلية .(54) ديوانه ; 150 ، اللسان ( عوض ) ( سحم ) من قصيدة مضت منها أبيات كثيرة . وقد ذكرت هذا البيت في شرح بيت سالف 10 ; 451 ، تعليق ; 1 = و (( الأسحم )) ، الضارب إلى السواد ، و (( عوض )) لما يستقبل من الزمان بمعنى ; (( أبدًا )) . واختلفوا في معنى (( بأسحم داج )) ، وإقسامه به . فقالوا ; أراد الليل . وقالوا ; أراد سواد حلمة سدي أمه . وقيل أراد الرحم وظلمته . قيل ; أراد الدم ، لسواده ، تغمس فيه اليد عند التحالف .
ومع قوله هذا أقسم لهما باللّه { إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } أي: من جملة الناصحين حيث قلت لكما ما قلت، فاغترا بذلك، وغلبت الشهوة في تلك الحال على العقل.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة