إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا
اِنَّ الۡاَبۡرَارَ يَشۡرَبُوۡنَ مِنۡ كَاۡسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوۡرًاۚ
تفسير ميسر:
إن أهل الطاعة والإخلاص الذين يؤدون حق الله، يشربون يوم القيامة مِن كأس فيها خمر ممزوجة بأحسن أنواع الطيب، وهو ماء الكافور.
وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة قال الحسن برد الكافور في طيب الزنجبيل.
قوله تعالى ; إن الأبرار يشربون من كأس الأبرار ; أهل الصدق واحدهم بر ، وهو من امتثل أمر الله تعالى . وقيل ; البر الموحد والأبرار جمع بار مثل شاهد وأشهاد ، وقيل ; هو جمع بر مثل نهر وأنهار ; وفي الصحاح ; وجمع البر الأبرار ، وجمع البار البررة ، وفلان يبر خالقه ويتبرره أي يطيعه ، والأم برة بولدها . وروى ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ; " إنما سماهم الله - جل ثناؤه - الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء ، كما أن لوالدك عليك حقا كذلك لولدك [ ص; 112 ] عليك حقا " . وقال الحسن ; البر الذي لا يؤذي الذر . وقال قتادة ; الأبرار الذين يؤدون حق الله ويوفون بالنذر . وفي الحديث ; " الأبرار الذين لا يؤذون أحدا " . يشربون من كأس أي من إناء فيه الشراب . قال ابن عباس ; يريد الخمر . والكأس في اللغة الإناء فيه الشراب ; وإذا لم يكن فيه شراب لم يسم كأسا . قال عمرو بن كلثوم ;صددت الكأس عنا أم عمرو وكان الكأس مجراها اليميناوقال الأصمعي ; يقال صبنت عنا الهدية أوما كان من معروف تصبن صبنا ; بمعنى كففت ; قاله الجوهري .كان مزاجها أي شوبها وخلطها ، قال حسان ;كأن سبيئة من بيت رأس يكون مزاجها عسل وماءومنه مزاج البدن وهو ما يمازجه من الصفراء والسوداء والحرارة والبرودة . كافورا قال ابن عباس ; هو اسم عين ماء في الجنة ، يقال له عين الكافور . أي يمازجه ماء هذه العين التي تسمى كافورا . وقال سعيد عن قتادة ; تمزج لهم بالكافور وتختم بالمسك . وقاله مجاهد . وقال عكرمة ; مزاجها طعمها . وقيل ; إنما الكافور في ريحها لا في طعمها . وقيل ; أراد كالكافور في بياضه وطيب رائحته وبرده ; لأن الكافور لا يشرب ; كقوله تعالى ; حتى إذا جعله نارا أي كنار . وقال ابن كيسان ; طيب بالمسك والكافور والزنجبيل . وقال مقاتل ; ليس بكافور الدنيا . ولكن سمى الله ما عنده بما عندكم حتى تهتدي لها القلوب . وقوله ; كان مزاجها ( كان ) زائدة أي من كأس مزاجها كافور .
القول في تأويل قوله تعالى ; إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) .يقول تعالى ذكره; إن الذين برّوا بطاعتهم ربهم في أداء فرائضه، واجتناب معاصيه، يشربون من كأس، وهو كل إناء كان فيه شراب ( كَانَ مِزَاجُها ) يقول; كان مزاج ما فيها من الشراب ( كافُورًا ) يعني; في طيب رائحتها كالكافور. وقد قيل; إن الكافور اسم لعين ماء في الجنة، فمن قال ذلك، جعل نصب العين على الردّ على الكافور، تبيانا عنه، ومن جعل الكافور صفة للشراب نصبها، أعني العين عن الحال، وجعل خبر كان قوله; ( كافُورًا ) ، وقد يجوز نصب العين من وجه ثالث، وهو نصبها بإعمال يشربون فيها فيكون معنى الكلام; إن الأبرار يشربون عينا يشرب بها عباد الله، من كأس كان مزاجها كافورا. وقد يجوز أيضا نصبها على المدح، فأما عامة أهل التأويل فإنهم قالوا; الكافور صفة للشراب على ما ذكرت.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( مِزَاجُهَا كَافُورًا ) قال; تمزج.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; ( إِنَّ الأبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ) قال; قوم تمزج لهم بالكافور، وتختم لهم بالمسك.--------------------------------------------------------------------------------الهوامش;(1) لم أقف على قائل البيت، وقد جاءت فيه كلمة "فرنها" هكذا في المخطوطة والمطبوعة، ولم نهتد إلى تصويبها. وقد أنشده المؤلف عند تفسير قوله تعالى; { والتفت الساق بالساق } . قال أبو عبيدة في مجاز القرآن ( 183 ) { والتفت الساق بالساق } مثل; شمرت عن ساقها . ا هـ . وقال الفراء في معاني القرآن ( 350 ) ; أتاه أول شدة أمر الآخرة، وأشد آخر أمر الدنيا. ويقال; التفت ساقاه كما يقال للمرأة إذا التصقت فخذاها; هي لفاء.(2) البيت من مشطور الرجز لسيدنا عبد الله بن رواحة الأنصاري، من أبيات قالها في غزوة مؤتة من أرض الشام ( سيرة ابن هشام; طبعة الحلبي الأولى 4 ; 21 ) والنطفة; الماء القليل الصافي. والشنة; السقاء البالي. ومعناه; فيوشك أن تهراق النطفة، أو يتخرق السقاء، ضرب ذلك مثلا لنفسه في جسده.(3) البيتان لرؤبة بن العجاج ( ديوانه 32 ) . وقبله;حـــتى مســـيناهن بــالإخداجيقـــذفن كــل معجــل نشــاجوالنون; راجعة إلى النياق ومسيناهن ومسوناهن; أي أدخلنا أيدينا في حيائهن لإخراج الأجنة من بطونهن، من كل ولد ذي صوت، ولكنه لم يكس جلدا بعد، نخرجهن مع دم مختلط بغيره، مما يتجمع في الرحم والمشيمة. قال في ( اللسان; مشج ) وفي التنزيل العزيز { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج } قال الفراء; الأمشاج; هي الأخلاط; ماء الرجل وماء المرأة، والدم والعلقة؛ ويقال للشيء من هذا إذا خلط; مشيج، كقولك; خليط، وممشوج; كقولك مخلوط، مشجت بدم وذلك الدم دم الحيض. وقال أبو إسحاق ( الزجاج ) أمشاج; أخلاط من مني ودم، ثم ينقل من حال إلى حال. ويقال; نطفة أمشاج; ماء الرجل يختلط بماء المرأة ودمها. ا هـ .(4) البيت في ( اللسان; مشج ) ونسبه لزهير بن حرام الهذلي، وهو الملقب بالداخل. ( وانظره في شرح السكري لأشعار الهذليين طبعة لندن 269 ) . ونسبه أبو عبيدة في مجاز القرآن ( 183 ) إلى أبي ذؤيب، وعنه نقل المؤلف. ونسب في الكامل للمبرد ( طبعة الحلبي 838 ) إلى الشماخ، وليس بصحيح. أما رواية البيت فتختلف ألفاظها في المراجع، وأجودها رواية الكامل، ( لسان العرب; شرخ ) وهي;كــأنَّ المَتْــنَ والشَّــرْخَينِ مِنْـهُخِـلافَ النَّصْـلِ سـيطَ بِـهِ مَشِـيجقال المبرد; يريد سهما رمى به، فأنفذ الرمية، وقد اتصل به دمها. والمتن; متن السهم. وشرخ كل شيء; حده. فأراه شرخي الفوق وهما حرفاه. والمشيج; اختلاط الدم بالنطفة. هذا أصله. وفي ( اللسان; شرخ ) وشرخ كل شيء; حرفه الناتئ، كالسهم ونحوه. وشرخا الفوق; حرفاه المشرفان اللذان يقع بينهما الوتر. ا هـ .
وأما { الْأَبْرَارِ } وهم الذين برت قلوبهم بما فيها من محبة الله ومعرفته، والأخلاق الجميلة، فبرت جوارحهم ، واستعملوها بأعمال البر أخبر أنهم { يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ } أي: شراب لذيذ من خمر قد مزج بكافور أي: خلط به ليبرده ويكسر حدته، وهذا الكافور [في غاية اللذة] قد سلم من كل مكدر ومنغص، موجود في كافور الدنيا، فإن الآفة الموجودة في الأسماء التي ذكر الله أنها في الجنة وهي في الدنيا تعدم في الآخرة .كما قال تعالى: { فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ } { وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } { لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ } { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ }.
(من كأس) متعلّق بـ (يشربون) ،
(عينا) بدل من(كافورا) منصوب ،
(بها) متعلّق بـ (يشرب) بتضمينه معنى يلتذّ أو يرتوي ،
(تفجيرا) مفعول مطلق منصوب.جملة: «إنّ الأبرار يشربون ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يشربون ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «كان مزاجها كافورا ... » في محلّ جرّ نعت لكأس.
وجملة: «يشرب بها ... » في محلّ نصب نعت ل عينا وجملة: «يفجّرونها ... » في محلّ نصب حال من فاعل يشرب.
7-
(بالنذر) متعلّق بـ (يوفون) ،
(يوما) مفعول به منصوب..
وجملة: «يوفون ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ- أو تعليل لما سبق- وجملة: «يخافون ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يوفون.
وجملة: «كان شرّه مستطيرا ... » في محلّ نصب نعت لـ (يوما) .
8-
(الواو) عاطفة
(على حبّه) حال من الفاعل أو المفعول..
وجملة: «يطعمون ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يوفون.
9-
(إنّما) كافّة ومكفوفة
(لوجه) متعلّق بحال من فاعل نطعم ،
(لا) نافية
(منكم) متعلّق بـ (نريد)
(لا) الثانية زائدة لتأكيد النفي(شكورا) معطوف على
(جزاء) منصوب مثله.
وجملة: «نطعمكم ... » في محلّ نصب مقول القول لقول مقدّر هو حال من فاعل يطعمون أي: يطعمون الطعام قائلين إنّما نطعمكم..
وجملة: «لا نريد ... » في محلّ نصب حال من فاعل نطعمكم.
10-
(من ربّنا) متعلّق بـ (نخاف) ..وجملة: «إنّا نخاف ... » لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «نخاف ... » في محلّ رفع خبر إنّ.