ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّنۢ بَعْدِ ذٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
ثُمَّ عَفَوۡنَا عَنۡكُمۡ مِّنۡۢ بَعۡدِ ذٰلِكَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُوۡنَ
تفسير ميسر:
ثمَّ تجاوزنا عن هذه الفعلة المنكرة، وقَبِلْنَا توبتكم بعد عودة موسى؛ رجاءَ أن تشكروا الله على نعمه وأفضاله، ولا تتمادوا في الكفر والطغيان.
يقول تعالى واذكروا نعمتي عليكم في عفوي عنكم لما عبدتم العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربه عند انقضاء أمد المواعدة وكانت أربعين يوما وهي المذكورة في الأعراف في قوله تعالى "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر" قيل إنها ذو القعدة بكماله وعشر من ذي الحجة وكان ذلك بعد خلاصهم من فرعون وإنجائهم من البحر.
قوله تعالى ; ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرونفيه أربع مسائل ; الأولى ; قوله تعالى ; ثم عفونا عنكم العفو ; عفو الله جل وعز عن خلقه ، وقد يكون بعد العقوبة وقبلها بخلاف الغفران فإنه لا يكون معه عقوبة البتة ، وكل من استحق عقوبة فتركت له فقد عفي عنه فالعفو محو الذنب أي محونا ذنوبكم وتجاوزنا عنكم مأخوذ من قولك عفت الريح الأثر أي أذهبته وعفا الشيء كثر فهو من الأضداد ومنه قوله تعالى حتى عفوا .الثانية ; قوله تعالى ; من بعد ذلك أي من بعد عبادتكم العجل وسمي العجل عجلا لاستعجالهم عبادته والله أعلم والعجل ولد البقرة والعجول مثله والجمع العجاجيل والأنثى عجلة عن أبي الجراح .الثالثة ; قوله تعالى ; لعلكم تشكرون كي تشكروا عفو الله عنكم ، وقد تقدم معنى لعل وأما الشكر فهو في اللغة الظهور من قوله دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف وحقيقته الثناء على الإنسان بمعروف يوليكه كما تقدم في الفاتحة قال الجوهري الشكر الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف يقال شكرته وشكرت له وباللام أفصح والشكران خلاف الكفران وتشكرت له مثل شكرت له ، وروى الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يشكر الله من لا يشكر الناس قال الخطابي هذا الكلام يتأول على معنيين ; أحدهما أن من كان من طبعه كفران نعمة الناس وترك الشكر [ ص; 374 ] لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله عز وجل وترك الشكر له ، والوجه الآخر أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس إليه ، ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر .الرابعة ; في عبارات العلماء في معنى الشكر فقال سهل بن عبد الله الشكر الاجتهاد في بذل الطاعة مع الاجتناب للمعصية في السر والعلانية ، وقالت فرقة أخرى ; الشكر هو الاعتراف في تقصير الشكر للمنعم ولذلك قال تعالى اعملوا آل داود شكرا فقال داود ; كيف أشكرك يا رب والشكر نعمة منك قال الآن قد عرفتني وشكرتني إذ قد عرفت أن الشكر مني نعمة قال يا رب فأرني أخفى نعمك علي قال يا داود تنفس فتنفس داود فقال الله تعالى من يحصي هذه النعمة الليل والنهار وقال موسى عليه السلام كيف أشكرك وأصغر نعمة وضعتها بيدي من نعمك لا يجازي بها عملي كله فأوحى الله إليه يا موسى الآن شكرتني ، وقال الجنيد حقيقة الشكر العجز عن الشكر وعنه قال كنت بين يدي السري السقطي ألعب وأنا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر فقال لي يا غلام ما الشكر ؟ فقلت ألا يعصى الله بنعمه فقال لي أخشى أن يكون حظك من الله لسانك قال الجنيد فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها السري لي وقال الشبلي الشكر التواضع والمحافظة على الحسنات ومخالفة الشهوات وبذل الطاعات ومراقبة جبار الأرض والسماوات وقال ذو النون المصري أبو الفيض الشكر لمن فوقك بالطاعة ولنظيرك بالمكافأة ولمن دونك بالإحسان والإفضال .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)قال أبو جعفر; وتأويل قوله; (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك)، يقول; تركنا معاجلتكم بالعقوبة،" من بعد ذلك " , أي من بعد اتخاذكم العجل إلها . كما;-927 - حدثني به المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية; (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك)، يعني من بعد ما اتخذتم العجل.* * *وأما تأويل قوله; (لعلكم تشكرون)، فإنه يعني به; لتشكروا . ومعنى " لعل " في هذا الموضع معنى " كي". وقد بينت فيما مضى قبلُ أن أحد معاني" لعل "" كي"، بما فيه الكفاية عن إعادته في هذا الموضع (112) .* * *فمعنى الكلام إذا; ثم عفونا عنكم من بعد اتخاذكم العجل إلها، لتشكروني على عفوي عنكم , إذ كان العفو يوجب الشكر على أهل اللب والعقل .------------الهوامش ;(112) انظر ما مضى 1 ; 364 - 365 .
تفسير الآيات من 50 الى 55 :ـ ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة لينزل عليهم التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة، ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبدوا العجل من بعده, أي: ذهابه. { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } عالمون بظلمكم, قد قامت عليكم الحجة, فهو أعظم جرما وأكبر إثما. ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضا فعفا الله عنكم بسبب ذلك { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله.
(ثمّ) حرف عطف للتراخي
(عفونا) فعل ماض وفاعله
(عن) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (عفونا) ،
(من بعد) جارّ ومجرور متعلّق بـ (عفونا) ،
(ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه و (اللام) للبعد و (الكاف) للخطابـ (لعلّ) حرف مشبّه بالفعل و (كم) اسم لعلّ في محلّ نصب،
(تشكرون) مضارع مرفوع و (الواو) فاعل جملة: عفونا في محلّ جرّ معطوفة على جملة اتخذتم العجل في الآية السابقةوجملة: «لعلّكم تشكرون» لا محلّ لها تعليليّة وجملة: «تشكرون» في محلّ رفع خبر لعلّ