فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظّٰلِمِينَ
فخرج موسى من مدينة فرعون خائفًا ينتظر الطلب أن يدركه فيأخذه، فدعا الله أن ينقذه من القوم الظالمين.
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسٰى رَبِّىٓ أَن يَهْدِيَنِى سَوَآءَ السَّبِيلِ
ولما قصد موسى بلاد "مدين" وخرج من سلطان فرعون قال; عسى ربي أن يرشدني خير طريق إلى "مدين".
وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِى حَتّٰى يُصْدِرَ الرِّعَآءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ
ولما وصل ماء "مدين" وجد عليه جماعة من الناس يسقون مواشيهم، ووجد من دون تلك الجماعة امرأتين منفردتين عن الناس، تحبسان غنمهما عن الماء؛ لعجزهما وضعفهما عن مزاحمة الرجال، وتنتظران حتى تَصْدُر عنه مواشي الناس، ثم تسقيان ماشيتهما، فلما رآهما موسى -عليه السلام- رقَّ لهما، ثم قال; ما شأنكما؟ قالتا; لا نستطيع مزاحمة الرجال، ولا نسقي حتى يسقي الناس، وأبونا شيخ كبير، لا يستطيع أن يسقي ماشيته؛ لضعفه وكبره.
فَسَقٰى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلّٰىٓ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
فسقى موسى للمرأتين ماشيتهما، ثم تولى إلى ظل شجرة فاستظلَّ بها وقال; رب إني مفتقر إلى ما تسوقه إليَّ مِن أي خير كان، كالطعام. وكان قد اشتد به الجوع.
فَجَآءَتْهُ إِحْدٰىهُمَا تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظّٰلِمِينَ
فجاءت إحدى المرأتين اللتين سقى لهما تسير إليه في حياء، قالت; إن أبي يدعوك ليعطيك أجر ما سقيت لنا، فمضى موسى معها إلى أبيها، فلما جاء أباها وقصَّ عليه قصصه مع فرعون وقومه، قال له أبوها; لا تَخَفْ نجوت من القوم الظالمين، وهم فرعون وقومه؛ إذ لا سلطان لهم بأرضنا.
قَالَتْ إِحْدٰىهُمَا يٰٓأَبَتِ اسْتَـْٔجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَـْٔجَرْتَ الْقَوِىُّ الْأَمِينُ
قالت إحدى المرأتين لأبيها; يا أبت استأجره ليرعى لك ماشيتك؛ إنَّ خير من تستأجره للرعي القوي على حفظ ماشيتك، الأمين الذي لا تخاف خيانته فيما تأمنه عليه.
قَالَ إِنِّىٓ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَىَّ هٰتَيْنِ عَلٰىٓ أَن تَأْجُرَنِى ثَمٰنِىَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصّٰلِحِينَ
قال الشيخ لموسى; إني أريد أن أزوِّجك إحدى ابنتيَّ هاتين، على أن تكون أجيرًا لي في رعي ماشيتي ثماني سنين مقابل ذلك، فإن أكملت عشر سنين فإحسان من عندك، وما أريد أن أشق عليك بجعلها عشرا، ستجدني إن شاء الله من الصالحين في حسن الصحبة والوفاء بما قلتُ.
قَالَ ذٰلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوٰنَ عَلَىَّ ۖ وَاللَّهُ عَلٰى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
قال موسى; ذلك الذي قلته قائم بيني وبينك، أي المدتين أَقْضِها في العمل أكن قد وفيتك، فلا أُطالَب بزيادة عليها، والله على ما نقول وكيل حافظ يراقبنا، ويعلم ما تعاقدنا عليه.
فَلَمَّا قَضٰى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوٓا إِنِّىٓ ءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلِّىٓ ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
فلما وفى نبي الله موسى -عليه السلام- صاحبه المدة عشر سنين، وهي أكمل المدتين، وسار بأهله إلى "مصر" أبصر من جانب الطور نارًا، قال موسى لأهله; تمهلوا وانتظروا إني أبصرت نارًا؛ لعلي آتيكم منها بنبأ، أو آتيكم بشعلة من النار لعلكم تستدفئون بها.
فَلَمَّآ أَتٰىهَا نُودِىَ مِن شٰطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِى الْبُقْعَةِ الْمُبٰرَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسٰىٓ إِنِّىٓ أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعٰلَمِينَ
فلما أتى موسى النار ناداه الله من جانب الوادي الأيمن لموسى في البقعة المباركة من جانب الشجرة; أن يا موسى إني أنا الله رب العالين، وأن ألق عصاك، فألقاها موسى، فصارت حية تسعى، فلما رآها موسى تضطرب كأنها جانٌّ من الحيات ولَّى هاربًا منها، ولم يلتفت من الخوف، فناداه ربه; يا موسى أقبل إليَّ ولا تَخَفْ؛ إنك من الآمنين من كل مكروه.