يٰٓأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
نداء من الله للبشر جميعًا; أن اعبدوا الله الذي ربَّاكم بنعمه، وخافوه ولا تخالفوا دينه؛ فقد أوجدكم من العدم، وأوجد الذين من قبلكم؛ لتكونوا من المتقين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.
الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرٰشًا وَالسَّمَآءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِۦ مِنَ الثَّمَرٰتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ
ربكم الذي جعل لكم الأرض بساطًا؛ لتسهل حياتكم عليها، والسماء محكمة البناء، وأنزل المطر من السحاب فأخرج لكم به من ألوان الثمرات وأنواع النبات رزقًا لكم، فلا تجعلوا لله نظراء في العبادة، وأنتم تعلمون تفرُّده بالخلق والرزق، واستحقاقِه العبودية.
وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلٰى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِۦ وَادْعُوا شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صٰدِقِينَ
وإن كنتم -أيها الكافرون المعاندون- في شَكٍّ من القرآن الذي نَزَّلناه على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتزعمون أنه ليس من عند الله، فهاتوا سورة تماثل سورة من القرآن، واستعينوا بمن تقدرون عليه مِن أعوانكم، إن كنتم صادقين في دعواكم.
فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكٰفِرِينَ
فإن عجَزتم الآن -وستعجزون مستقبلا لا محالة- فاتقوا النار بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وطاعة الله تعالى. هذه النار التي حَطَبُها الناس والحجارة، أُعِدَّتْ للكافرين بالله ورسله.
وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهٰرُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هٰذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِۦ مُتَشٰبِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خٰلِدُونَ
وأخبر -أيها الرسول- أهل الإيمان والعمل الصالح خبرًا يملؤهم سرورًا، بأن لهم في الآخرة حدائق عجيبة، تجري الأنهار تحت قصورها العالية وأشجارها الظليلة. كلَّما رزقهم الله فيها نوعًا من الفاكهة اللذيذة قالوا; قد رَزَقَنا الله هذا النوع من قبل، فإذا ذاقوه وجدوه شيئًا جديدًا في طعمه ولذته، وإن تشابه مع سابقه في اللون والمنظر والاسم. ولهم في الجنَّات زوجات مطهَّرات من كل ألوان الدنس الحسيِّ كالبول والحيض، والمعنوي كالكذب وسوء الخُلُق. وهم في الجنة ونعيمها دائمون، لا يموتون فيها ولا يخرجون منها.
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْىِۦٓ أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرًا وَيَهْدِى بِهِۦ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا الْفٰسِقِينَ
إن الله تعالى لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئًا ما، قلَّ أو كثر، ولو كان تمثيلا بأصغر شيء، كالبعوضة والذباب ونحو ذلك، مما ضربه الله مثلا لِعَجْز كل ما يُعْبَد من دون الله. فأما المؤمنون فيعلمون حكمة الله في التمثيل بالصغير والكبير من خلقه، وأما الكفار فَيَسْخرون ويقولون; ما مراد الله مِن ضَرْب المثل بهذه الحشرات الحقيرة؟ ويجيبهم الله بأن المراد هو الاختبار، وتمييز المؤمن من الكافر؛ لذلك يصرف الله بهذا المثل ناسًا كثيرين عن الحق لسخريتهم منه، ويوفق به غيرهم إلى مزيد من الإيمان والهداية. والله تعالى لا يظلم أحدًا؛ لأنه لا يَصْرِف عن الحق إلا الخارجين عن طاعته.
الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنۢ بَعْدِ مِيثٰقِهِۦ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ ۚ أُولٰٓئِكَ هُمُ الْخٰسِرُونَ
الذين ينكثون عهد الله الذي أخذه عليهم بالتوحيد والطاعة، وقد أكَّده بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، ويخالفون دين الله كقطع الأرحام ونشر الفساد في الأرض، أولئك هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا فَأَحْيٰكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
كيف تنكرون -أيُّها المشركون- وحدانية الله تعالى، وتشركون به غيره في العبادة مع البرهان القاطع عليها في أنفسكم؟ فلقد كنتم أمواتًا فأوجدكم ونفخ فيكم الحياة، ثم يميتكم بعد انقضاء آجالكم التي حددها لكم، ثم يعيدكم أحياء يوم البعث، ثم إليه ترجعون للحساب والجزاء.
هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوٰىٓ إِلَى السَّمَآءِ فَسَوّٰىهُنَّ سَبْعَ سَمٰوٰتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ
اللهُ وحده الذي خَلَق لأجلكم كل ما في الأرض من النِّعم التي تنتفعون بها، ثم قصد إلى خلق السموات، فسوَّاهنَّ سبع سموات، وهو بكل شيء عليم. فعِلْمُه -سبحانه- محيط بجميع ما خلق.
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلٰٓئِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوٓا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّىٓ أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
واذكر -أيها الرسول- للناس حين قال ربك للملائكة; إني جاعل في الأرض قومًا يخلف بعضهم بعضًا لعمارتها. قالت; يا ربَّنا علِّمْنا وأَرْشِدْنا ما الحكمة في خلق هؤلاء، مع أنَّ من شأنهم الإفساد في الأرض واراقة الدماء ظلما وعدوانًا ونحن طوع أمرك، ننزِّهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك، ونمجِّدك بكل صفات الكمال والجلال؟ قال الله لهم; إني أعلم ما لا تعلمون من الحكمة البالغة في خلقهم.