وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ قَالُوٓا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
وإذا نُصحوا ليكفُّوا عن الإفساد في الأرض بالكفر والمعاصي، وإفشاء أسرار المؤمنين، وموالاة الكافرين، قالوا كذبًا وجدالا إنما نحن أهل الإصلاح.
أَلَآ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ
إنَّ هذا الذي يفعلونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد، لكنهم بسبب جهلهم وعنادهم لا يُحِسُّون.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُوا كَمَآ ءَامَنَ النَّاسُ قَالُوٓا أَنُؤْمِنُ كَمَآ ءَامَنَ السُّفَهَآءُ ۗ أَلَآ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَآءُ وَلٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ
وإذا قيل للمنافقين; آمِنُوا -مثل إيمان الصحابة، وهو الإيمان بالقلب واللسان والجوارح-، جادَلوا وقالوا; أَنُصَدِّق مثل تصديق ضعاف العقل والرأي، فنكون نحن وهم في السَّفَهِ سواء؟ فردَّ الله عليهم بأن السَّفَهَ مقصور عليهم، وهم لا يعلمون أن ما هم فيه هو الضلال والخسران.
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوٓا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلٰى شَيٰطِينِهِمْ قَالُوٓا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ
هؤلاء المنافقون إذا قابلوا المؤمنين قالوا; صدَّقنا بالإسلام مثلكم، وإذا انصرفوا وذهبوا إلى زعمائهم الكفرة المتمردين على الله أكَّدوا لهم أنهم على ملة الكفر لم يتركوها، وإنما كانوا يَسْتَخِفُّون بالمؤمنين، ويسخرون منهم.
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِى طُغْيٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ
الله يستهزئ بهم ويُمهلهم؛ ليزدادوا ضلالا وحَيْرة وترددًا، ويجازيهم على استهزائهم بالمؤمنين.
أُولٰٓئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلٰلَةَ بِالْهُدٰى فَمَا رَبِحَت تِّجٰرَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
أولئك المنافقون باعوا أنفسهم في صفقة خاسرة، فأخذوا الكفر، وتركوا الإيمان، فما كسبوا شيئًا، بل خَسِروا الهداية. وهذا هو الخسران المبين.
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُۥ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِى ظُلُمٰتٍ لَّا يُبْصِرُونَ
حال المنافقين الذين آمنوا -ظاهرًا لا باطنًا- برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم كفروا، فصاروا يتخبطون في ظلماتِ ضلالهم وهم لا يشعرون، ولا أمل لهم في الخروج منها، تُشْبه حالَ جماعة في ليلة مظلمة، وأوقد أحدهم نارًا عظيمة للدفء والإضاءة، فلما سطعت النار وأنارت ما حوله، انطفأت وأعتمت، فصار أصحابها في ظلمات لا يرون شيئًا، ولا يهتدون إلى طريق ولا مخرج.
صُمٌّۢ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ
هم صُمٌّ عن سماع الحق سماع تدبر، بُكْم عن النطق به، عُمْي عن إبصار نور الهداية؛ لذلك لا يستطيعون الرجوع إلى الإيمان الذي تركوه، واستعاضوا عنه بالضلال.
أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصٰبِعَهُمْ فِىٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ الصَّوٰعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌۢ بِالْكٰفِرِينَ
أو تُشْبه حالُ فريق آخر من المنافقين يظهر لهم الحق تارة، ويشكون فيه تارة أخرى، حالَ جماعة يمشون في العراء، فينصب عليهم مطر شديد، تصاحبه ظلمات بعضها فوق بعض، مع قصف الرعد، ولمعان البرق، والصواعق المحرقة، التي تجعلهم من شدة الهول يضعون أصابعهم في آذانهم؛ خوفًا من الهلاك. والله تعالى محيط بالكافرين لا يفوتونه ولا يعجزونه.
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصٰرَهُمْ ۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ۚ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصٰرِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلٰى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ
يقارب البرق -من شدة لمعانه- أن يسلب أبصارهم، ومع ذلك فكلَّما أضاء لهم مشَوْا في ضوئه، وإذا ذهب أظلم الطريق عليهم فيقفون في أماكنهم. ولولا إمهال الله لهم لسلب سمعهم وأبصارهم، وهو قادر على ذلك في كل وقتٍ، إنه على كل شيء قدير.